وهنا لا بد من وقفة قصيرة كجملة معترضة، أن هذا الرجل لما قال هذا الكلام، هل يعني مطلقاً أم بقيد، فهو ما قيد وإنما أطلق، بينما الذين يقولون بأن وجه المرأة عورة، يقولون يجوز النظر إلى وجه المرأة بالنسبة للخاطب، «اذهب إليها فانظر؛ فإن في أعين الأنصار شيئاً» كما جاء في الحديث.
فالآن إذاً: الشارع الحكيم عند من يقول بأن وجه المرأة عورة بالنسبة للرجل، هو من باب سد الذريعة، ترى ما حكم وجه الرجل بالنسبة للمرأة أهو عورة أم لا؟ طبعاً لا أحد يقول بعورة وجه الرجل بالنسبة للمرأة.
فما الفرق بين ذلك من حيث الرأي كما يفعل هؤلاء الآرائيون، ما الفرق بين تحريم وجه المرأة بالنسبة للرجل، وإباحة وجه الرجل بالنسبة للمرأة مع أن العلة واحدة، وهي سداً للذريعة، ونحن رددنا على الغلاة المصرين على أن وجه المرأة عورة، أنهم يُفَلْسفون رأيهم بقولهم: أجمل ما في المرأة وجهها، فكيف يعقل أن يكون ليس عورة، ويجوز للرجل أن ينظر إليه، وقد قلنا لهم في جولتنا السابقة في بلادكم هذه، وأجمل ما في وجه المرأة عيناها، فهل يجوز لها أن تكشف عينها لترى طريقها، فُبهِتوا، وقال بعضهم والحقيقة كأنها تمثيلية، لكنها حقيقة واقعية، قال لي متحمساً كنا في مجلس فقام قائماً مع أن المجلس صغير، قال أنت تقول بأن وجه المرأة ليس بعورة، والله يقول:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}[الأحزاب: ٥٩]، قلت له: فما معنى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} قال: يعني يغطين.
قلت: يغطين وجوههن بماذا؟ قال: بالجلباب، قلت له: هب أن عليك الآن جلباباً وهي هذه الغترة، الغترة قصيرة كما ترى هبها جلباباً، غطي وجهك بالجلباب، فعجبت منه ومن تسرعه بسبب عاطفته العمياء، وإذا به غطى وجهه، تقدم إلي، قال: لا أستطيع؟ كيف تستطيع المرأة إذاً إذا خرجت من دارها متجلببة بجلبابها، على هذا المعنى من تفسير يدنين بمعنى يغطين، أنت الآن مثلت المعنى