ومال إليه الشوكاني فقال في قوله عليه الصلاة والسلام:«من نسي صلاة ... » الحديث.
«تمسك بدليل الخطاب من قال: إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي، وإلى ذلك ذهب داود وابن حزم وبعض اصحاب الشافعي وحكاه في «البحر» عن ابني الهادي والأستاذ ورواية عن القاسم والناصر. قال ابن تيمية «شيخ الإسلام»: والمنازعون لهم ليس لهم حجة قط يرد إليها عند التنازع وأكثرهم يقولون: لا يجب القضاء إلا بأمر جديد وليس معهم هنا أمر ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط بل ننازع في قبول القضاء منه وصحة الصلاة في غير وقتها». وأطال البحث في ذلك وأختار ما ذكره داود ومن معه. والأمر كما ذكره فإني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد - وهم من عدا من ذكرنا - على دليل ينفق في سوق المناظرة ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث:«فدين الله أحق أن يقضى» باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم، ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسا، وأنهض ما جاءوا به في هذا المقام قولهم: إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء على الناسي يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فتدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب. وهذا مردود لأن القائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي بل بإن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه فيكون إتبانه مع عدم النص عبثا، بخلاف الناسي والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرح بأن القضاء لا كفارة لهما سواه. اهـ.
وأما الحديث الذي احتج به للقائلين بالقضاء:«فدين الله أحق أن يقضى». فلم يجب عنه بشيء مطلقا، ولذلك قال:«إن المقام من المضايق» ولامَ مَن قال: إن باب القضاء ركّب على غير أساس، ليس فيه كتاب ولا سنة، ونسبه من أجل ذلك إلى التفريط لعجزه عن الإجابة عن الحديث المشار إليه، وقد سبقه إلى هذا الاستدلال