الحنفي، فقد جاء فيه، في آخر «البيوع»: «وأهل الذمة في المبايعات كالمسلمين، لقوله عليه السلام في ذلك الحديث، فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم». فقال الحافظ الزيلعي في «تخريجه»: نصب الراية» «٤/ ٥٥»: «لم أعرف الحديث الذي أشار إليه المصنف، ولم يتقدم في هذا المعنى إلا حديث معاذ، وهو في «كتاب الزكاة»، وحديث بريدة وهو في «كتاب السير»، وليس فيهما ذلك». ووافقه الحافظ في «الدراية»«ص ٢٨٩».
قلت: فقد أشار الحافظان إلى أن الحديث لا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن صاحب «الهداية» قد وهم في زعمه ورود ذلك في الحديث. وهو يعني - والله أعلم - حديث ابن عباس؛ وهو الذي إليه الزيلعي:«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذا إلى اليمن فقال: إنك تأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم .. » الحديث. وهو متفق عليه. فليس فيه - ولا في غيره - ما عزاه إليه صاحب «الهداية». بل قد جاء ما يدل على بطلان ذلك، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله .. فإذا فعلوا ذلك فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين». وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما بينته في «الأحاديث الصحيحة»«٢٩٩». فهذا نص صريح على أن الذين قال فيهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه الجملة:«لهم ما لنا، وعليهم ما علينا». ليس هم أهل الذمة الباقين على دينهم، وإنما هم الذين أسلموا منهم، ومن غيرهم من المشركين! وهذا هو المعروف عند السلف، فقد حدث أبو البختري: «أن جيشا من جيوش المسلمين - كان أميرهم سلمان الفارسي - حاصروا قصرا من قصور فارس، فقالوا: يا أبا عبد الله ألا تنهد إليهم؟ قال: دعوني أدعهم كما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو، فأتاهم سلمان، فقال لهم: إنما أنا رجل منكم فارسي، ترون العرب يطيعونني، فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا، وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم، تركناكم عليه، وأعطونا الجزية عن يد، وأنتم