ووجه الدلالة أن المعازف هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ولو كانت حلالا لما ذمهم على استحلالها ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والحر .. وقد توعد مستحلي المعازف فيه بأن يخسف الله بهم الأرض ويمسخهم قردة وخنازير وإن كان الوعيد على جميع هذه الأفعال فلكل واحد قسط في الذم والوعيد.
فهذا الحق ليس به خفاء ... فدعني عن بنيات الطريق
والحقيقة المرة أن الشيخ الغزالي وأمثاله من الدعاة أو الكتاب المعاصرين ليس لديهم منهج علمي ينطلقون منه فيما يذهبون إليه من الأحكام والمسائل لا من الناحية الفقهية ولا من الناحية الحديثية وإنما هي العشوائية العمياء المقرونة في كثير من الأحيان باتباع الأهواء فتارة تراه مع الآرائيين أو العقلانيين - كما يقولون اليوم - في مخالفة النصوص الصحيحة الصريحة بل إنه تقدمهم في ذلك بأشواط فخالف الأئمة والفقهاء جميعا بدون استثناء وقد ذكرت في المقدمة بعض الأمثلة وتارة تاره ظاهريا جامدا كالصخر الجلمود مقلدا لبعض أئمة الظاهرية المتنطعين ولو خالف أئمة الحديث والفقه جميعا فإنه كما قلده ابن حزم في تضعيفه لأحاديث المعازف الصحيحة فإنه كذلك قلده في تأويله لحديث المعازف تأويلا باطلا ولكن ابن حزم مع ذلك كان أعقل منه في اختيار النص الذي تأوله فإنه لم يتجرأ على تأويل حديث البخاري - كما فعل الغزالي - لقوله فيه: يستحلون وإنما تأول حديث معاوية بن صالح الخالي منه وفيه - كما تقدم ص ٤٥ - :«ويضرب على رؤوسهم بالمعازف .. » فقال ابن حزم ٩/ ٥٧: وليس فيه أن الوعيد المذكور إنما هو على المعازف كما أنه ليس على اتخاذ القينات والظاهر أنه على استحلالهم الخمر بغير اسمها.
ومع أن هذا الذي استظهره تكلف ظاهر وتأويل باطل لما تقدم من الأحاديث وتفسير ابن القيم فقد أجاب عنه الشوكاني بجواب آخر فقال فينيل الأوطار ٨/ ٨٥، بعد أن حكى تأويل ابن حزم ملخصا دون أن يعزوه إليه وفيه رد ظاهر على الغزالي أيضا: