وقد عنعنه، وقد صح ما يعارض حديثه هذا، وهو ما أخرجه أحمد «٦/ ١٢٥» عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: «سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر؟ فقالت: صل، إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومك أهل اليمن عن الصلاة إذا طلعت الشمس». قلت: وسنده صحيح على شرط مسلم. ووجه المعارضة واضح منه، وهو قولها «صل» فلوكان عندها علم بالنهي الذى رواه ابن إسحاق عنها لما أفتت بخلافه إن شاء الله تعالى، بل لقد ثبت عنها أنها كانت تصلي بعد صلاة العصر ركعتين، أخرجه البخاري «٣/ ٨٢» ومسلم «٢/ ٢١٠». فهذا كله يدل على خطأ حديث ابن إسحاق ونكارته. وهذا من جهة الصلاة، وأما من حيث الوصال، فالنهي عنه صحيح ثابت في الصحيحين وغيرهما عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم إن الحديث يخالف من جهة ثانية حديث أم سلمة المشار إليه، فإن فيه؟ :«فقالت أم سلمة، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنهما «تعني الركعتين بعد العصر» ثم رأيته يصليهما، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية، فقلت: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما، فإن أشار بيده، فاستأخري عنه، قال: ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف، قال: يا بنت أبي أمية! سألت عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان».
ووجه المخالفة هو أن النهي عن الصلاة بعد العصر في الحديث متأخر عن صلاته - صلى الله عليه وسلم - بعدها، وفي حديث أم سلمة أن النهي متقدم وصلاته بعده متأخر، وهذا مما لا يفسح المجال لادعاء نسخ صلاة الركعتين بعد العصر، بل إن صلاته - صلى الله عليه وسلم - إياهما دليل عن تخصيص النهي السابق بغيرهما، فالحديث دليل واضح على مشروعية قضاء الفائتة لعذر، ولو كانت نافلة بعد العصر، وهو أرجح المذاهب، كما هو مذكور في المبسوطات. والحديث سكت عليه الحافظ في «الفتح»«٢/ ٥١» وتبعه الصنعاني في «سبل السلام»«١/ ١٧١» ثم الشوكاني في «نيل الأوطار»«٣/ ٢٤» وسكوتهم الموهم صحته هو الذي حملني على