يصلي بعدها ركعتين. فقلت: فقد كان [عمر] يضرب عليهما وينهى عنهما؟ فقالت: قد كان عمر يصليهما، وقد علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[كان] يصليهما، ولكن قومك أهل الدين قوم طغام، يصلون الظهر، ثم يصلون ما بين الظهر والعصر، ويصلون العصر ثم يصلون ما بين العصر والمغرب، فضربهم عمر، وقد أحسن». أخرجه أبو العباس السراج في «مسنده»«ق ١٣٢/ ١». قلت: وإسناده صحيح، وهو شاهد قوي للأثرين المشار إليهما آنفا، وهو نص صريح أن نهي عمر رضي الله عنه عن الركعتين ليس لذاتهما كما يتوهم الكثيرون، وإنما هو خشية الاستمرار في الصلاة بعدهما، أو تأخيرهما إلى وقت الكراهة وهو اصفرار الشمس، وهذا الوقت هو المراد بالنهي عن الصلاة بعد العصر الذي صح في أحاديث كما سبق بيانه تحت الحديثين المتقدمين برقم «٢٠٠ و ٣١٤». ويتلخص مما سبق أن الركعتين بعد العصر سنة إذا صليت العصر معها قبل اصفرار الشمس، وأن ضرب عمر عليها إنما هو اجتهاد منه وافقه عليه بعض الصحابة، وخالفه آخرون، وعلى رأسهم أم المؤمنين رضي الله عنها، ولكل من الفريقين موافقون، فوجب الرجوع إلى السنة، وهي ثابتة صحيحة برواية أم المؤمنين، دون دليل يعارضه إلا العموم المخصص بحديث علي وأنس المشار إلى أرقامهما آنفا. ويبدو أن هذا هو مذهب ابن عمر أيضا، فقد روى البخاري «٥٨٩» عنه قال: «أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، لا أنهى أحدا يصلي بليل ولا نهار ما شاء، غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها».
وهذا مذهب أبي أيوب الأنصاري أيضا، فقد روى عبد الرزاق عنه «٢/ ٤٣٣» بسند صحيح عن ابن طاووس عن أبيه: أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر تركهما، فلما توفي ركعهما، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إن عمر كان يضرب الناس عليهما. قال ابن طاووس: وكان أبي لا يدعهما. وهنا ينبغي أن نذكر أهل السنة الحريصين على إحياء السنن وإماتة البدع أن يصلوا هاتين الركعتين كلما صلوا العصر في وقتها المشروع، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سن في الإسلام سنة حسنة .. ». وبالله التوفيق.