ركعتين بعد العصر. رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في «الإرواء»«٢/ ١٨٨ - ١٨٩» من طرق عنها، ويأتي طريق آخر عقب هذا. وقد ثبت العمل به عن جماعة من السلف رضي الله عنهم كما يأتي. فإن قيل: كيف يصح الاستدلال بهذا الإقرار من عمر، وقد صح عنه أنه كان يضرب من يصلي الركعتين بعد العصر؟ والجواب: أن ضربَهُ عليهما إنما كان من باب سد الذريعة، وخشية أن يتوسع الناس مع الزمن فيصلوهما في وقت الاصفرار المنهي عنه، وهو المراد بالأحاديث الناهية عن الصلاة بعد العصر نهياً مطلقاً كما سيأتي في الحديث بعده، وليس لأنه لا يجوز صلاتهما قبل الاصفرار، ولذلك لم ينكر على الرجل صلاته بعد العصر مباشرة، وقد جاء عن عمر نفسه ما يؤكد هذا، فقال الحافظ في «الفتح»«٢/ ٦٥»: «تنبيه»: روى عبد الرزاق [٢/ ٤٣١ - ٤٣٢] من حديث زيد بن خالد [الجهني] سبب ضرب عمر الناس على ذلك، فقال ... عن زيد بن خالد: أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث، وفيه:«فقال عمر: يا زيد! لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سُلَّماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما». فلعل عمر كان يرى أن النهي عن الصلاة إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس، وهذا يوافق قول ابن عمر الماضي وما نقلناه عن ابن المنذر وغيره.
وقد روى يحيى بن بُكير عن الليث عن أبي الأسود عن عروة عن تميم الداري نحو رواية زيد بن خالد، وجواب عمر له، وفيه:«ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب، حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! أن يصلى فيها». وهذا أيضاً يدل لما قلناه». قلت: ومثله ما رواه الطحاوي «١/ ١٨٠» عن البراء بن عازب قال: بعثني سلمان بن ربيعة بريداً إلى عمر بن الخطاب في حاجة له، فقدمت عليه، فقال لي: لا تصلوا بعد العصر؛ فإني أخاف عليكم أن تتركوها إلى غيرها. قلت: يعني إلى وقت الاصفرار المحرم، وإسناده صحيح. فهذه الآثار تؤكد ما ذكرته من قبل أن نهيه اجتهاد منه سدّاً للذريعة، فلا ينبغي أن يعارض به إقراره للرجل اتباعاً منه للنبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاته بعد العصر، فضلاً عن معارضة الأحاديث الصحيحة في صلاته - صلى الله عليه وسلم - الركعتين، أو معارضتها بالعموم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة بعد العصر