أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلمين - أي: زوجين - يموت لهما ثلاثة من الولد إلا لن تمسه النار إلا تحلة القسم» فأنئوني بعلم هل عند الكفار مثل هذا الفضل الذي بشرنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم -؟ لا، ولذلك هم يقتصرون على أن يربوا ولدًا أو ولدين وثالثهم كلبهم! هذه تربيتهم وهذا شأنهم من تمتعهم في حياتهم الدنيا، لا يبتغون من وراء ذلك ثواب الآخرة وأن يدخر لهم مثل هذا الأجر:«لن تمسه النار إلا تحلة القسم» ولذلك هذه الفضائل كلها إنما تتوفر بتحقيق الرغبة النبوية الكريمة وهي: «تزوجوا الودود والولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة».
بعد هذا التفصيل ولعلي ما أطلت به عليكم أقول جوابًا عن السؤال السابق: إذا كان هناك ضرورة بالنسبة للمرأة ولا أتصور الضرورة بالنسبة للرجل أبدًا إلا على تحقيق رغبة الجاهلية الأولى التي قال الله عز وجل في القرآن فيها: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ}[الإسراء: ٣١] الرجل لا يوجد له عذر أبدًا فيما أن يفاول هو من عنده يفرض ذلك على زوجه تحديد النسل وإنما هذا أو تنظيمه، وإنما هذا يمكن أن يتصور فقط بالنسبة للزوجة وذلك بإشارة من طبيب مسلم حاذق، يقول مثلًا لزوجه بأن زوجتك هذه إذا استمرت في الحمل فحياتها في خطر، حينذاك لا أقول: تحدد النسل التحديد شر من التنظيم؛ لأن التنظيم من معانيه أنه سيتابع الولادة أما التحديد فكما قلنا: ثالثهم كلبهم، انتهى الأمر عندهم إلى هاهنا، هذا منهج كافر لا يؤمنون بالقضاء والقدر فإذا نظم الإنسان أو حدد نسله كأنه آمن بأن هذا الولد الأول وهذا الثاني سيعيشان ما عاش أبواهما لا يفترضان أبدًا أن الله عز وجل قد يقبض الولد الأول والثاني ويبقيان كأنهمالم يرزقا نسلًا، ثم يحاولان أن يتداركا ما فاتهما وهيهات هيهات، وكما قيل: في الصيف ضيعت اللبن.
إذًا: إنما يجوز تحديد النسل للزوجة للضرورة التي يقدرها الطبيب الحاذق المسلم، هذا نهاية الجواب.