إلى ما قبل اصفرار الشمس، وليس يلزم أن يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ما أثبت جوازه بالدليل الشرعي كما هو ظاهر. نعم قد ثبت عن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر، وقالت عائشة: إنه - صلى الله عليه وسلم - داوم عليها بعد ذلك، فهذا يعارض حديث علي الثاني، والجمع بينهما سهل، فكل حدث بما علم، ومن علم حجة على من لم يعلم، ويظهر أن عليا رضي الله عنه علم فيما بعد من بعض الصحابة ما نفاه في هذا الحديث، فقد ثبت عنه صلاته - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر وذلك قول البيهقي:«وأما الذي يوافقه ففيما أخبرنا ... » ثم ساق من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: «كنا مع علي رضي الله عنه في سفر فصلى بنا العصر ركعتين ثم دخل فسطاطه وأنا أنظر، فصلى ركعتين». ففي هذا أن عليا رضي الله عنه عمل بما دل عليه حديثه الأول من الجواز. وروى ابن حزم «٣/ ٤» عن بلال مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«لم ينه عن الصلاة إلا عند غروب الشمس». قلت: وإسناده صحيح، وهو شاهد قوي لحديث علي رضي الله عنهم.
وأما الركعتان بعد العصر، فقد روى ابن حزم القول بمشروعيتهما عن جماعة من الصحابة، فمن شاء فليرجع إليه. وما دل عليه الحديث من جواز الصلاة ولو نفلا بعد صلاة العصر وقبل اصفرار الشمس هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذه المسألة التي كثرت الأقوال فيها، وهو الذي ذهب إليه ابن حزم تبعا لابن عمر رضي الله عنه كما ذكره الحافظ العراقي وغيره، فلا تكن ممن تغره الكثرة، إذا كانت على خلاف السنة. ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عن علي رضي الله عنه بلفظ:«لا تصلوا بعد العصر، إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة». أخرجه الإمام أحمد «١/ ١٣٠»: حدثنا إسحاق بن يوسف: أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: فذكره: قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عاصم وهو ابن ضمرة السلولي وهو صدوق. كما في «التقريب». قلت: فهذه الطريق مما يعطي الحديث قوة على قوة، لاسيما وهي من طريق عاصم الذي روى عن علي أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي بعد العصر، فادعى البيهقي من أجل هذه الرواية إعلال الحديث، وأجبنا عن ذلك بما تقدم، ثم