فأقول: أولا: لقد زعم أن الحديث ضعيف، يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل قوله:«بل هو عقلا حديث مفترى». وهذا الزعم واضح البطلان، تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكلها صحيحة. وحسبك دليلا على ذلك أن أحدا من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء! ثانيا: لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا. وهذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه، لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به، ألست تراه يقول:«ولم يقل أحد ... ، ولو صح لكشف عنه العلم الحديث ... ». فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما، أم أن أهله الذين لم يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون: إننا كلما ازددنا علما بما في الكون وأسراره، ازددنا معرفة بجهلنا! وأن الأمر بحق كما قال الله تبارك وتعالى:«وما أوتيتم من العلم إلا قليلا». وأما قوله:«إن العلم يقطع بمضار الذباب ويحض على مكافحته»! فمغالطة مكشوفة، لأننا نقول: إن الحديث لم يقل نقيض هذا، وإنما تحدث عن قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها، فإذا قال الحديث:«إذا وقع الذباب .. » فلا أحد يفهم، لا من العرب ولا من العجم، اللهم إلا العجم في عقولهم وإفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب ولا يكافحه؟ ثالثا: قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم، من أن الذباب يحمل في جوفه ما سموه بـ «مبعد البكتريا» القاتل للجراثيم. وهذا وإن لم يكن موافقا لما في الحديث على وجه التفصيل، فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار إليه وأمثاله من اجتماع الداء والدواء في الذباب، ولا يبعد أن يأتي يوم تنجلي فيه معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ثبوت التفاصيل المشار إليها علميا، «ولتعلمن نبأه، بعد حين».
وإن من عجيب أمر هذا الكاتب وتناقضه، أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف هذا الحديث، ذهب إلى تصحيح حديث «طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات: إحداهن بالتراب» فقال: «حديث صحيح متفق عليه» فإنه إذا كانت