صحيح أن سبب هاتين الركعتين كان أن الرسول شُغِل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، لكن واظب الرسول عليه السلام على هاتين الركعتين فصارت سنة، ليست فقط مرة واحدة صلاها وانتهى الأمر، ونحن منهيون عن هاتين الركعتين لا، وإنما كان سبب صلاته إياهما الركعتين بعد العصر هو أنه شُغِل عن الركعتين بعد الظهر، فأدَّاهما الرسول عليه السلام بعد العصر، ثم استمر على ذلك عليه السلام.
وبهذه المناسبة ينبغي أيضاً أن نتذكر حقيقةً أخرى طالما غفل عنها الكثيرون أيضاً وهي: أن الأحاديث التي تُصَرِّح بأنه لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، المقصود بهذا النهي هو وقت الاصْفِرَار وليس بعد صلاة العصر مباشرة، فقد سمعتم آنفاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دخل بيت عائشة بعد العصر إلا وصلى عندها ركعتين.
وبالإضافة إلى ما سمعتم فاسمعوا قوله عليه السلام:«لا صلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة نقية».
وحينئذٍ: يشرع الصلاة إذا كانت الشمس بيضاء مرتفعة، لم تمل بعدُ إلى الغروب.
فالوقت المنهي عن الصلاة بعد العصر، ليس هو الوقت الذي يمتد بعدما يصلي الإنسان فريضة العصر إلى غروب الشمس لا، وإنما هو القسم الأخير منه، وهو الوقت الذي تبدأ الشمس بضعف حرارتها وباصفرار لونها وتهيئها للسقوط في الأفق، أي للغروب.
فهذا الحديث:«لا صلاة بعد العصر، إلا أن تكون الشمس مرتفعة نقية» يُقَيِّد الأحاديث المعروفة بالإطلاق: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس».
ومن هذا القبيل أن نُقَيِّد بهذا الحديث العام، أي من قبيل الحديث الأول:«لا صلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة نقية» مثله تماماً قوله عليه السلام: