للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما قوله فقد بين أيضاً أن الحف والأخذ بأي نوع من الأنواع المذكورة في تلك الألفاظ الثلاثة ليس المقصود أخذ الشارب برمته وإنما المقصود ما يطول على الشفة، المقصود الأخذ من الحافة، فقوله في اللفظ الأول: حفوا، لا يعني الاستئصال وإنما يعني الأخذ من الحافة كما في القرآن الكريم: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: ٧٥] فحافة الشيء طرفه، فأكد هذا المعنى وترجح بأحد شيئين اثنين أشرت إليهما آنفاً، أحدهما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا» لم يقل: من لم يأخذ شاربه وإنما قال: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا» إذاً: في هذا نص أن الأخذ لا يكون للشارب كله وإنما يكون أخذاً لبعضه، ما هو هذا البعض؟ ذلك بيانه في فعله عليه السلام فهنا بيت القصيد كما يقال.

لقد روى الإمام أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده عن المغيرة بن شعبة أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد طال شاربه، أي: طال وزاد على الشفة، فأمر عليه الصلاة والسلام بأن يؤتى له بسواك ومقراض فوضع السواك تحت ما طال من الشارب ثم قرضه، وهذا فعل يحدد المعنى المقصود من كل تلك الألفاظ أنه ليس المقصود استئصال الشارب كله وإنما استئصال ما زاد على الشفة وهو المراد بقوله: «حفوا الشارب وأعفوا عن اللحى» ففعله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث قد رفع كل المعاني من المعاني التي ذكرناها آنفاً وعين أن المقصود بالأخذ ما زاد على الشفة وليس ما علا عليها؛ ولهذا فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأخذ شاربه ولا يأخذه من أصله، بل وكان يطيل سبالته وقد جاء في موطأ الإمام مالك رحمه الله بالسند الصحيح أن من خلق عمر رضي الله عنه أنه كان إذا غضب نفخ وفتل شاربه، وهذا يدل على أن الشارب لا يؤخذ كله وإنما يؤخذ ما زاد على الشفتين.

وهنا نكتة طبية بعد أن أثبتنا أن الحكم النبوي هو المحافظة على الشارب لكن استئصال ما زاد على الشفة، في ذلك فائدتان طبيتين:

الأولى: أن الرجل إذا تساهل بشاربه وطال على شفته ... في ذلك نوع من

<<  <  ج: ص:  >  >>