عليه؟ الحقيقة أن القاعدة التي ذكرتها آنفاً قاعدة هامة جداً يتفرع منها أن نستكشف أموراً يظنها كثير من الناس من العبادات وهي ليست من العبادة في شيء، فهذا العموم في:«وفروا اللحى» هل جرى عمل السلف على ذلك أم لا؟ إن كان جرى عمل السلف - جواب تحفظي احتياطي - إن كان جرى عمل السلف على ذلك فالعموم ماشي على طول، حتى لو إنسان ربنا بارك له في لحيته وجرها على الأرض جراً هكذا السلف، وهكذا نحن نفعل، أما إذا كان السلف لم يعمل بهذا العموم فهل يجوز العمل به؟ عرفنا الجواب آنفاً لا، أي عام لم يجر العمل به فمعنى فهماً للنص على العموم الذي أوجب علينا عملاً لم يفعله السلف فهذا دليل أن فهمنا خطأ.
والأمر في هذا الحديث هو من هذا القبيل تماماً، أي: إن السلف لم يجر عملهم على هذا الإطلاق والشمول: «أعفوا اللحى» بل جرى عملهم على خلاف ذلك، وفي مقدمتهم ابن عمر وهو أحد رواة هذا الحديث، وهنا تكمن فائدة مهمة جداً وهي التي يقول العلماء بمناسبتها: رأي الراوي أو فهم الراوي أدرى بمرويه من غيره، فنحن حينما نسمع هذا الحديث من بعد أربعة عشر قرناً:«وفروا اللحى» .. «اعفوا عن اللحى» يتبادر إلى ذهننا أن المقصود توفيراً مطلقاً بدون حدود، لكن إذا تذكرنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الشاهد يرى ما لا يرى الغائب» وقوله في اللفظ الآخر: «ليس الخبر كالعيان» حينئذٍ نقول: نحن بعد أربعة عشر قرناً يمكننا أن نفهم هذا الحديث أكثر مما رأى المتكلم به .. المتكلم به هو رسول الله، والراوي له هو عبد الله بن عمر .. ما تحت القبضة كان ابن عمر يأخذه، فنحن والحالة هذه لو كان هو في هذا المجال وحده لا نستطيع أن نقول: خالف حديث الرسول؛ لأنه تكون المخالفة متجسدة لو قال مثلاً: لا تأخذوا من اللحية شيئاً، ثم أخذ فهذه مخالفة، أما «اعفوا عن اللحى» .. «ارخوا اللحى» فهذا نص عام يمكن أن يكون بهذا الإطلاق ويمكن أن يكون بذاك التحديد الذي فعله ابن عمر، قلت: هذا لو تفرد ابن عمر بهذا الأثر فكيف وقد ورد ذلك عن غيره من السلف منهم أبو هريرة، منهم مجاهد، منهم إبراهيم بن يزيد النخعي حيث قال: كانوا يأخذون من لحيتهم، إبراهيم بن يزيد