إذًا: الاستدلال بالنص العام الذي لم يجر العمل على مقتضى بعض أجزاءه أو فروعه فلا يجوز العمل به، واضح الآن؟
نعود الآن:«وأعفوا اللحى» نص عام، أي: يشمل ما فعله ابن عمر، يعني: القبضة، ويشمل الزيادة ويشمل ويشمل، على حسب ما ربنا يبارك في طول اللحية أو قصرها، ترى! هل هذا كله داخل في عموم النص أو لا؟ هنا الآن الموضوع: ابن عمر أولًا: أحد رواة الحديث: «وأعفوا اللحى» هو ابن عمر من رواة هذا الحديث.
ثانيًا: هو يشاهد الرسول عليه السلام ويعرف أن لحيته كانت جليلة وكانت عظيمة.
ثالثًا وأخيرًا: ابن عمر تميز عن كل الصحابة بماذا أقول؟ بمبالغته في تتبعه بآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن يفعل كفعله، حتى في بعض الأمور التي قد تستهجن من غيره وبخاصة من أبيه الفاروق، فأنتم تعلمون مثلًا أنه رئي ذات يوم يبول عند شجرة، لماذا؟ قال: رأيت رسول الله يبول عندها .. يأخذ مقود الناقة فيطوف بها في مكان، لماذا؟ قال: رأيت رسول الله يفعل ذلك .. يفك زر القميص، لماذا؟ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك .. إنسان هذه همته في اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى في أمور العقل العادي لا يقبلها، ... الرسول حاجته جاءت هناك فقضاها، لازم هو يفعل كما فعل الرسول عليه السلام، ترى! لو كان الرسول عليه السلام ترك لحيته على سجيتها أترون
يخالفه، وهو قد وافقه في أمور أهون بكثير من هذه القضية؟ هذه القضية فيها نص عام:«أعفوا اللحى» والنص العام لو الرسول طبقه حاشا لابن عمر أن يخالفه في ذلك؛ لأنه ما خالفه في أمثال تلك الأجزاء، هذا أولًا.
ثانيًا: لم يتفرد ابن عمر بالأخذ من لحيته، بل قد جاء ذلك عن أبي هريرة وعن بعض السلف، كما في تفسير ابن جرير الطبري، وروى البيهقي في شعب الإيمان بإسناد صحيح عن إبراهيم بن يزيد النخعي قال: كانوا يأخذون من لحيتهم.
فإذًا: هنا نقول بكل جرأة علمية: أن إعفاء اللحية لم يجر عليه عمل السلف على