وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة. [صحيح].
وفيه رد على أبي عمر بن عبد البر حيث اختار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستقبل بيت المقدس وهو في مكة وإنما استقبله حين هاجر إلى المدينة واحتج بحديث البراء الآتي بعد هذا، ولا حجة فيه، إذ إنه لو لم يصرح بنفي الاستقبال قبل ذلك حتى ولو صرح لم يكن حجة بل لوجب الأخذ بحديث ابن عباس لما فيه من الزيادة والعلم وزيادة الثقة مقبولة ومن علم حجة على من لم يعلم والمثبت مقدم على النافي، كل هذه قواعد متفق عليها وقد قيلت في فروع كثيرة كما لا يخفى ذلك على الباحث.
وفي حديث آخر:«وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فتوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس - وهم اليهود -: {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[البقرة: ١٤٢]».
هو من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى نحو بيت المقدس ستة أو سبعة عشر شهرا وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب ... إلخ.
أخرجه البخاري بهذا السياق وهو عند مسلم.
وقد قال الحافظ في «الفتح» تحت قوله: «وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة» ما نصه: «جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة واليهود - أكثر أهلها - يستقبلون