تعالى على قوم قبلنا عملهم بالظن، فقال:{إنْ يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس}، وقال تعالى:{وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته عن رواية الحديث عنه إلا بعد العلم بصحته؛ فقال:«اتقوا الحديث عنِّي إلا ما علمتم». أفيجيز لهم العمل به قبل أن يعرفوا صحته، وقد نهاهم عن روايته؟ ! اللهم! لا. وهذا بين لا يخفى، وقد مضى تفصيل القول في ذلك في المقدمة.
على أن حديث الباب ليس من الفضائل، بل هو في الأحكام؛ لأن فيه الأمر بالخط، وهو يفيد الوجوب عند عدم القرينة، ولا قرينة هنا.
وكأن النووي رحمه الله لاحظ ما ذكرنا، فاحتاط في عبارته، فقال- كما تقدم-: «وهذا من نحو فضائل الأعمال»! هذا؛ وقال النووي «٣/ ٢٤٦» - بعد أن عزا الحديث للمصنف وابن ماجه-: «قال البغوي وغيره: هو حديث ضعيف، وروى أبو داود في «سننه» عن سفيان بن عيينة تضعيفه، وأشار إلى تضعيفه الشافعي والبيهقي وغيرهما».
قلت: وأما ما نقله ابن التركماني وغيره عن ابن عبد البر، أنه قال في «الاستذكار»: «كان ابن حنبل وابن المديني يصححان هذا الحديث»! فلا أدري مقداره من الصحة والثبوت، ولا سيما وقد نقل الحافظ عن الخلال عن أحمد تضعيفه- كما سبق-.
فإن صح ما في «الاستذكار»، فيكون لأحمد فيه قولان، والصحيح منهما: ما سبق، لما نقلناه عن الحافظ العراقي. وقد نقل هو عن بعضهم أن الحاكم صححه أيضاً، ولعل ذلك في غير كتابه «المستدرك»؛ فإني لم أجد الحديث فيه! والله أعلم.
ومما سبق من التحقيق؛ تعلم أن قول صاحب «التاج»«١/ ١٧٦» - في الحديث-: «رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح»! غير صحيح أيضاً؛ وإنما جاءه ذلك من تقليده بعض المصححين له، دون النظر في إسناده، وليس ذلك من شأنه ولا من صناعته، كما يتبين ذلك جلياً لمن درس كتابه هذا دراسة إمعان وتدقيق!