هذا الحديث عمليًا، فقد جاء من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - أنه كما في حديث خروجه إلى صلاة العيد كان ينصب له العصا المسمى بالعنزة، ولا يخط خطًا، فتارة كان يصلي كما في وقعة بدر الكبرى إلى شجرة، وتارةً يعدل رحل البعير فيصلي إليه، أو يصلي إلى جدار كما كان ذلك في مسجده، وليس هناك أي أثر عملي لهذا الحديث حديث الخط، بل هو يخالف مفهوم قوله عليه السلام في بعض الأحاديث الصحيحة كحديث أبي ذر رضي الله عنه الذي قال فيه ما لفظه أو ما معناه على الأقل:«إذا صلى أحدكم وليس بين يديه مثل مؤخرة الرحل يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود».
فإذًا: السترة المشروعة والتي تمنع قطع الصلاة إنما هي تكون مثل مؤخرة الرحل، أي: بارتفاع شبر وشبرين وأنتم المفروض أنكم تعرفون مؤخرة الرحل باعتباركم عربًا أكثر من أمثالنا نحن الأعاجم، فمؤخرة الرحل هي العصا التي يعلق عليها راكب جمله متاعه وزاده ونحو ذلك، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بمنطوق هذا الحديث يحدد السترة التي تحول بين المصلي وبين أن تقطع صلاته، أي: هنا تبطل بمرور شيء من هذه الأنواع الثلاثة، أما الخط فليس مؤخرة الرحل بطبيعة الحال، فمفهوم الحديث حجة كما قلنا آنفًا في الجواب عن بعض الأسئلة، إلا إذا عارضه منطوق، ومنطوق حديث الخط لو صح لأخذنا به ولقدمناه على المفهوم.
أما نفي الحافظ ابن حجر الاضطراب الذي في الحديث فهذا في الواقع يتطلب منا استحضار الطرق بين أيدينا لننظر أصحيح أن الاضطراب قد انتفى، الاضطراب موجود يقينًا، ولكن إن صح رأي الحافظ ولا أقول الآن: إن صح ما نقل عن الحافظ، بل أقول: إن صح رأي الحافظ أن الحديث ليس يوصف بالاضطراب فإنما يعني وصفًا يقدح في صحته؛ ذلك لأن من المذكور في علم المصطلح أن الاضطراب علة من علل الحديث، فكل حديث صح أنه مضطرب فهو من أقسام الحديث الضعيف، ولكن ليس دائمًا يكون الحديث مضطربًا اضطرابًا يقدح في صحة الحديث؛ ذلك لأن الحديث يرد أحيانًا فعلًا بوجوه مضطربة.