للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتخذوها مساجد» وأولئك إنما كانوا يتخذون قبورا لا نجاسة عندها ولأنه قد روى مسلم في «صحيحه» عن أبي مرثد الغنوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها». ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» فجمع بين التماثيل والقبور.

وأيضا فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك.

وقال فيما بعد وقد ذكر العلة الأولى: «وهذه العلة في صحتها نزاع لاختلاف العلماء في نجاسة تراب القبور وهي من مسائل الاستحالة وأكثر العلماء المسلمين يقولون: إن النجاسة تطهر بالاستحالة وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد، وقد ثبت في «الصحيح» أن مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حائطا لبني النجار وكان فيه قبور من قبور المشركين ونخل وخرب فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنخيل فقطعت وبالخرب فسويت وبالقبور فنبشت وجعل النخل في صف القبلة، فلو كان تراب القبور نجسا لكان تراب قبور المشركين نجسا ولأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقل ذلك التراب فإنه لا بد أن يختلط ذلك التراب بغيره».

ثم ذكر العلة الثانية ثم قال: «وهذه العلة صحيحة باتفاقهم والمعللون بالأولى - كالشافعي وغيره - عللوا بهذه أيضا وكرهوا ذلك لما فيه من الفتنة وكلك الأئمة من أصحاب أحمد ومالك كأبي بكر الأثرم صاحب أحمد وغيره علل بهذه الثانية أيضا وإن كان منهم من قد يعلل بالأولى وقد قال تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} [نوح: ٢٣ - ٢٤] ذكر ابن عباس وغيره من السلف أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم وصوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. وقد ذكر هذا البخاري في «صحيحه» وأهل التفسير كابن جرير وغيره».

[الثمر المستطاب (١/ ٣٦٦)].

<<  <  ج: ص:  >  >>