وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن الفخذ عورة واحتجوا بحديث:«الفخذ عورة» وأجابوا عن حديث عائشة بما في رواية مسلم من التردد بين كون المكشوف هو الفخذ أو الساق فقال في «المجموع»:
«لا دلالة فيه على أن الفخذ ليس بعورة لأنه مشكوك في المكشوف».
قلت: قد بينا أن سائر الروايات في هذه القصة تقطع بأن المكشوف هو الفخذ فيجب حمل رواية مسلم عليها.
ثم قال النووي:«قال أصحابنا: لو صح الجزم بكشف الفخذ تأولناه على أن المراد كشف بعض ثيابه لا كلها قالوا: ولأنها قضية عين فلا عموم لها ولا حجة فيها».
قلت: الحجة فيها من حيث أن ذلك العمل هو من نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أسوتنا وقدوتنا في كل شيء إلا ما استثناه الدليل لقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١] ولا يصح دليل التخصيص كما يأتي فيبقى دليل الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في هذا الخصوص عاما شاملا لأمته فيثبت المطلوب.
وأما تأويل ذلك بأنه كشف بعض ثيابه. فلا يغني فتيلا لأن فيه التسليم بأنه كشف عن بعض فخذه فإن كان عورة فكيف يجوز الكشف عن بعضها، وإذا كان مراد النووي من ذلك أنه يجوز الكشف عن البعض دون الكل فهو خالف مذهبه حيث قال:«فإن انكشف شيء من عورة المصلي لم تصح صلاته سواء أكثر المنكشف أم قل ولو كان أدنى جزء وسواء هذا في الرجل والمرأة ... » إلخ.
وأجابوا عن حديث أنس بأن الإزار انكشف بنفسه عن فخذه عليه السلام دون قصده كما تفيده رواية مسلم: انحسر. لكن الحديث يفيد جواز الكشف من وجهة أخرى وهي استمراره - صلى الله عليه وسلم - على الكشف كما سبق عن الحافظ وكذلك قول أنس: وإني لأرى بياض فخذيه. يدل على أنه لم يكن من المحرم عندهم النظر إلى الفخذ وإلا لما نظر إليه أنس رضي الله عنه وإذ الأمر كذلك فيدل على أنه ليس بعورة وهو المطلوب.