وقول الشوكاني:«إن الاحتجاج بالحديث أن الركبة ليست بعورة لا يتم لأن الكشف كان لعذر الدخول في الماء وأيضا تغطيتها من عثمان مشعر بأنها عورة وإن أمكن تعليل التغطية بغير ذلك فغاية الأمر الاحتمال» مردود.
أما أولا: فلأن الحديث ينص على أنه عليه الصلاة والسلام كان قاعدا في مكان فيه ماء فكشف عن ركبتيه. وهذا معناه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان جالسا مدليا رجليه في الماء وعليه فأي عذر في الكشف عن الركبتين فيما لو كانتا من العورة أليس كان باستطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتفي بإدلاء الساقين دون الكشف عن العورة؟
ويدلك على المعنى الذي ذهبت إليه أن الإمام أحمد أخرج الحديث من طريق أخرى عن أبي موسى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في حائط بالمدينة على قف البئر «أي: الدكة التي تجعل حولها» مدليا رجليه فدق الباب أبو بكر ... الحديث.
ورواه مسلم نحوه من طريق ثالثة بلفظ: وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر.
ولا تعارض بين هذه الرواية وبين رواية البخاري المصرح بالكشف عن الركبة لأنها تتضمن الزيادة من ثقة وهي مقبولة اتفاقا كما أنه لا تعارض بين رواية البخاري هذه وبين رواية عائشة وغيرها المصرحة بالكشف عن الفخذ للسبب نفسه وهذا على اعتبار أن القصة واحدة وأما إذا كانت متعددة فلا إشكال.
وأما ثانيا: فلأن تغطيتها عن عثمان إنما هي معاملة منه - صلى الله عليه وسلم - خاصة به رضي الله عنه لشدة حيائه كما غطى - صلى الله عليه وسلم - منه فخذيه كما سبق وذلك لا يدل مطلقا على أنه إنما غطاها لأنها عورة كيف ذلك وقد كشفها عليه الصلاة والسلام أمام غير عثمان كما هو صريح حديث عائشة وغيرها وكما هو الظاهر من حديث أبي موسى هذا فإنه يروي القصة شاهد عيان أعني أنه عليه السلام لم يغطها من أبي موسى كما غطاها من عثمان. هذا ما ظهر من التعقيب على كلام الشوكاني.
ولو افترضنا أن كلامه صحيح فالدليل على أن الركبة ليست بعورة هو الأمر الثاني: وهو كشف أبي بكر عن ركبتيه وكذلك عمرو بن زرارة بحضرته عليه