والحديث في ذلك ثابت في الصحيحين وفي غيرهما أولاً، وهو أيضا كان مما وقع تحت بصرهم ثانياً، فهل ندع العمل نحن بهذا الحديث؟
الجواب: لا؛ لأننا لم نجد حجة الذين تركوا العمل بهذا الحديث حُجَّةً قوية، وعلى العكس من ذلك، وجدنا من عمل بهذا الحديث حجتهم أقوى.
حجة من قال: لا رفع إلا عند تكبيرة الإحرام قالوا: ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال لأصحابه:«ألا أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فرفع يديه ثمّ لم يَعُد. لكن قد جاءت أحاديث تترا عن ابن عمر ومالك ابن الحويرث وأبي حُمَيد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم يرفع يديه عند افتتاح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه.
وقالوا: القاعدة الأصولية التي جرى عليها العلماء في غير هذه المسألة، تقول: «المثْبِتْ مُقَدَّم على النافي».
الذي روى الرفع عند الركوع أثبت، وابن مسعود نفى، ومع جلالة ابن مسعود، نقول إن المُثْبِت مُقَدَّم على النافي.
وقد أَلَّف الإمام البخاري أمير المؤمنين بحق في الحديث، ألف رسالةً خاصة وهي المعروفة «بجزء رفع اليدين في الصلاة» وقد احتج على أهل الكوفة الذين لم يأخذوا بأحاديث الرفع عند الركوع والرفع منه، والذين لم يأخذوا -لا نقول خفي عنهم الحديث، لا - كان تحت بصرهم، ولكن لشُبْهَة عرضت لهم، تركوا العمل بهذه الأحاديث المُثْبَتة.
فحاججهم الإمام البخاري بما جاء في الصحيح، في صحيح البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم في فتح مكة، دخل مكة فاتحا، ثم بعد أن نَظَّفها من الأصنام التي كانت منصوبة على الكعبة، دخلها وصلى فيها ركعتين.
فبلال رضي الله عنه دخل مع النبي وصلى معه في جوف الكعبة، ولما خرج النبي عليه الصلاة والسلام وخرج بلال تلقّاه عبد الله بن عمر فسأله: ماذا فعل