وصلى في بعض الأحيان بعض السنن المختلف في سنيتها أو في وجوبها جماعةً, كصلاة الكسوف- مثلاً - وصلاة التروايح، فلم يُنقل عنه - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا الترداد إلا حينما قام يصلي لوحده في تلك الليلة فقد أصبح يردد هذه الآية.
وهنا ملاحظة أخرى يجب التنبيه لها بهذه المناسبة وهي: أنه قد يخطر في بال أحد الحاضرين أو غيرهم أنه حينما يسمع هذا الحديث يجد تعارضًا بينه وبين حديث عائشة الذي هو أصح من هذا إسنادًا وهو قولها رضي الله تعالى عنها: «وما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحيا ليلة بتمامها حتى أصبح» , فهذا يخالف هذا الحديث، والجمع سهل - إن شاء الله - وذلك بأن نذكر بأن القاعدة:«أن من حفظ حُجَّة على من لم يحفظ» , فالسيدة عائشة ما علمت ما علمه أبو ذر في حديثه, فنجمع بين الحديثين: بين الحديث المثبت وبين الحديث النافي, فنقول بالنفي حينما لا يعارض المثبت, ونثبت المثبت بصورة لا يعارض النافي, ونجمع بين المثبت وبين النافي فنقول:«ما أحيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بتمامها إلا تلك الليلة التي حدثنا بها أبو ذر رضي الله عنه»، ثم أنتم تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام ليلة صلاة طويلة وطويلة جدًا، وقد وصفها وأحسن وصفها حذيفة بن اليمان الذي نشعر من أسلوب روايته لهذه القصة أنه تورط حينما اقتدى به عليه السلام ورطة ما كان يتصورها لأنه يقول لنا:«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي ليلة فاقتديت خلفه, فافتتح سورة البقرة فقلتُ: -يعني في نفسه- إذا وصل إلى رأس مائة آية يركع -أي: ونخلص من هذه القراءة الطويلة - قال: فمضى -أي: قرأ المائة آية وجاوز إلى التي بعدها - فقال في نفسه: إذن يركع بعد أن يقرأ المائتين فمضى ومضى وانتهت سورة البقرة بكاملها ثم افتتح سور النساء- نشعر حينما نقرأ حديث حذيفة هذا بأن الرجل سلَّم أمره للواقع ولم يعد يقول الآن يركع والآن يركع- فقال: فافتتح الرسول عليه السلام سورة النساء بعد أن فرغ من سورة البقرة بتمامها، ثم انتهى من سورة النساء فرجع إلى آل عمران ثم انتهى منها، ثم افتتح سور المائدة حتى ختمها - أربع سور من السور الطوال- ثم ركع عليه الصلاة والسلام فكان ركوعه قريبًا
من قيامه».
تصوروا الآن كم تكون هذه الصلاة وهي طويلة؛ ولا أريد أن أتمم الرواية وإنما أريد أن أقف إلى هذه الصلاة التي أحيا فيها الرسول عليه السلام ما شاء من الليل