للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث قرأ في ركعة واحدة هذه السور الطوال يقول حذيفة: -والشاهد هنا- «فما مر بآية رحمة إلا وقف عندها وسأل الله الرحمة، وما مر بآية مغفرة إلا وقف عندها وسأل الله المغفرة، وما مر بآية ذُكر فيها العذاب إلا وقف عندها واستعاذ الله من العذاب وهكذا، مثل هذا ما جاء في حديث أبي ذر إنما وقع في قيام الليل، وإذا صلى عليه السلام منفردًا فلا يجوز الإطالة في ذلك إذا كان وراءه مؤتمون, كذلك لم يُنقل - كما أشرت آنفًا - إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكرر أيضًا مثل هذا التكرار في الصلوات التي كان يصليها مؤتم الناس به, لكن قد جاء في صحيح البخاري أن رجلاً من الأنصار كان يؤمهم، وكان كلما فرغ من قراءة الفاتحة يقرأ سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص: ١] ويكررها, وكان الذين يصلون خلفه يعلمون أن هذا من خيرهم وأفضلهم؛ فكانوا يكرهون أن يؤمهم غيره ولكن مع ذلك كان في قلوبهم شيء من وراء تكراره لهذه السورة- سورة الصمد - فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليه فسأله عن السبب: فقال: «إني أحبها»، قال: «حبك إيها أدخلك الجنة»، وهو حينما كانوا يطلبون منه أن لا يكرر هذا الشيء يلاحظون أن التكرار قد يمل بعض الناس فكان يقول لهم: «إن أعجبكم أممتكم وإلا فليؤمكم غيري» فذكروا ذلك للرسول عليه السلام, فأقره عليه الصلاة السلام على ذلك بل قال: «حبك إياها أدخلك الجنة»، يمكن أن نأخذ من هذا الحديث أنه يشرع تكرار آية ما في الفريضة إذا كان ذلك برضى الجماعة؛ وليس سنة مطردة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك في الفرائض، ولذلك كان ترداد هذا الإمام لـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} موضع استنكار من بعض أصحابه حتى وصل الأمر بالإمام أن يقول

لهم: «إن أعجبكم هذا فأنا أؤمكم وإلا فلا» فلما ذكروا أمره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أقره على ذلك وقال: «حبك إياها أدخلك الجنة» فيمكن أن نأخذ من هذا الحديث حكمًا خاصًا بجماعة يقتدون بإمام قارئ مجوِّد، حسن الصوت، يتغنى بالقرآن كما جاء في الأحاديث الصحيحة فلا يرضون به بديلاً، لكن قد يأخذون عليه مثل هذا التكرار فالجواب أنه يجوز إذا ما رضوا إمامته بسبب حسن تلاوته.

هذا آخر ما عندي من الجواب.

(فتاوى جدة-موقع أهل الحديث والأثر- ٢١)

<<  <  ج: ص:  >  >>