وهذا من باب الأدب الذي تلقيناه من بعض الصحابة الذين كانوا يقولون:«خاطبوا الناس على قدر عقولهم» أو نحو ذلك من المعنى، «أتُريدون أن يكذبَ الله ورسولُه».
فما ينبغي للعالم أو للإمام أن يفجأ الناس بشيء يستنكرونه، ولابد من أن يُقَدِّم إليهم مقدمة، وهذه المقدمة قد تتيسر في بعض الأحيان وقد لا تتيسر.
وأنا أذكر لكم بهذه المناسبة، أنني كثيراً ما كنت أسافر إلى الحج والعمرة، فأنزل في بعض البلاد أو القرى ممن نعرف هناك من بعض إخواننا، فَيُقَدِّمونني إماماً، فأقول للمُقَدِّم لي، أقول: يا أخي أنت تعرف أني أنا مسافر، وأن المسافر عليه أن يقصر وجوباً، فأنا سأُصلي وأقصر، والناس غير معتادين، هؤلاء مقيمين يريدون يصلون العصر مثلاً خلفي، يصلوا أربع ركعات، أنا أُريد أصلي ركعتين، فيقول لي وهو على شيء من العلم: ما عليكم يا أخي، خَلِّيهم يتعلموا، وهذا كلام صحيح.
وفعلاً الذي خشيت وقع، بالرغم من أني ما كَبَّرت إلا بعد أن عملت محاضرة وأنا واقف، وبَيَّنت لهم السنة، وأني أنا الإمام الآن يقترح عليّ أن أؤمكم، وأنا أقتدي بسنة الرسول عليه السلام، ولذلك فسأُصَلِّي ركعتين، وأنا سوف لا أُسلم عن يميني تسليماً تسمعونه، سَأُسَلِّم سراً حتى ما تُسَلِّموا معي، أسلم سراً، وأخاطبكم بلسان عربي مبين فأقول لكم:«أتموا صلاتكم؛ فإنا قوم سُفْر» ثم ألتفت يساراً وأقول: السلام عليكم.
بالرغم من المحاضرة الطويلة العريضة، بعد ما سَلَّمت ناس أخطؤوا وسَلَّموا معي، وناس أصابوا وقاموا، لكن ماذا فعلوا؟ قاموا للذي قَدَّمني: يا أخي! لماذا قدمت لنا هذا الرجل عمل علينا شوشرة وو .. إلخ.
فالناس الحقيقة مثل هذه الصلاة يجب أن تطرق مسامعهم المَرَّة بعد المرة والكَرَّة بعد الكَرَّة، حتى يرسخ في أذهانهم أن الإمام المسافر يصلي ركعتين، فإذا سَلَّم عرفوا أن عليهم أن يُتِمُّوا صلاتهم.
فلا ينبغي للعالم الحكيم أن يفجأ الناس ويضربهم هكذا ضرباً بالأمور ولو