كانت حقاً، وإنما يجب أن يُمَهِّد لها تمهيداً، وهذا من آداب الرسول عليه السلام التي ظهرت في كثير من الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا في الواقع يفتح لنا باباً من العلم، يجب أن نُذَكِّر به، وهو أن العالم يجب عليه فعلاً أن ينصح الناس وأن يُرْشِدَهم وأن يُذَكِّرهم كما قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: ٥٥] ولكن عليه أن يُمَهِّد لذلك.
لقد جاء في الصحيحين البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة فاتحاً، دخل جوف الكعبة وصلى فيها ركعتين ثم خرج، فأرادت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن تقتدي بزوجها ونبيها - صلى الله عليه وسلم -، وتصلي في جوف الكعبة، وتعلمون أن الكعبة الآن كما كان في ذاك الزمان لا يمكن الدخول إلى جوف الكعبة إلا بِسُلَّم، وهكذا ورث المسلمون الكعبة بهذا الباب العالي، فلو أرادت امرأة بل لو أراد رجل أن يدخل الكعبة فيجب أن يُجْهِد نفسه ويُتْعِبها حتى يستطيع أن يصعد، فقال للسيدة عائشة:«يا عائشة! صلِّ في الحِجْر فإنه؛ من الكعبة، «وإن قومك لما بنوا الكعبة قَصَرت بهم النفقة» أي: أخرجوا الحجر عن الكعبة، وما استطاعوا أن يبنوا الكعبة ويكون في جوفها الحِجْر.
والشاهد: أن الرسول عليه السلام قال في تمام حديثه: ولولا أن قومك حديثي عهد بالشرك، لهدمت الكعبة، ولبنيتُها على أساس إبراهيم عليه السلام. -أي: لأدخل الحجر إلى الكعبة- ولجعلت له بابين مع الأرض، باباً يدخلون منه وباباً يخرجون منه.
ما فعل الرسول عليه السلام هذا، لماذا؟
خَشِي أن يُحْدِثَ هَدْمُ الكعبة ضعضعةً في قلوب بعض الناس الذين كانوا بحاجة إلى تقوية إيمانهم، فَأَخَّر الرسول عليه السلام هذا الأمر إلى أمر وإلى وقت يُريده الله تبارك وتعالى.
وللقصة تَتِمّة -مع الأسف- حيث قَيَّض الله لهذا البيت الحرام ولهذه الكعبة المُشَرّفة، من نَفّذ رغبة الرسول عليه السلام في زمنه ألا وهو عبد الله بن الزبير.