ولكن السياسة الغاشمة أعادت البيت إلى ما كان عليه، بحجة أن هذا الذي فُعل وأُحدث هذا الأمر خالف البيت الذي تركه الرسول عليه السلام عليه، لم يكن قد بلغه حديث عائشة، والذي نفذ حديث عائشة هو ابن أختها عبد الله بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر أخت السيدة عائشة.
فعبد الله بن الزبير لما تَمَكَّن من هذا الإصلاح نَفَّذه فعلاً، لكن كان ذلك في فتنة قامت بينه وبين الأمويين، وبصورة خاصة عبد الملك بن مروان، وكان نهاية الفتنة مع الأسف أنه قُتل وصلبه الحجاج .. إلخ ما هنالك.
فلما استوطن الأمر لعبد الملك، أمر بإعادة الكعبة إلى ما كانت عليه في زمن الجاهلية.
وفي مجلس هادئ في مجلسه تَعَرَّض لهذه القضية، فأحد الحاضرين تبليغاً للأمانة العلمية قال له: يا أمير المؤمنين! إن ما فعله عبد الله بن الزبير هو ما حَدَّث به النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وذكر هذه القصة، فقال عبد الملك: لو علمت ذلك لتركته كما فعل مع الأسف الشديد.
الشاهد: أن من السياسة الشرعية، أن يتلطف الإنسان في إرشاد الناس وفي هدايتهم، بما يستطيع من أساليب، ولا نعني بهذا أبداً مسايرة الناس بكتمان العلم وكتمان الحقيقة، هذا شيء آخر.
فالواقع أن الناس كل الناس ما بين إفراط وتفريط، والتفريط أكثر وهو إضاعة العلم وإضاعة النصيحة، والمُغَالون الذين لا يتخذون الأساليب الحكيمة في تعليم الناس وفي تبليغهم.
ولذلك الحق كما قال تعالى:{وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان: ٦٧]، يعني: لا يكتم العلم باسم السياسة الشرعية، ولا ينفذ العلم بالقوة باسم «بَلِّغوا الناس» مثلاً «ولو آية» لا، {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥].