وقد اختلف العلماء في استحباب قراءة السورة في الأُخريين من الرباعية والثالثة من المغرب؛ فقيل بالاستحباب، وبعدمه. وهما قولان للشافعي رحمه الله. كذا في «شرح مسلم».
قلت: والصحابة أيضاً اختلفوا في ذلك: فبعضهم كان لا يقرأ - وقد ساق أخبارهم الطحاوي «١/ ١٢٣ - ١٢٤»، والبيهقي «٢/ ٦٥» -.
وبعضهم كان يقرأ -ومن هؤلاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه -؛ ففي «الموطأ»«١/ ١٠٠»، ومن طريقه البيهقي «٢/ ٦٤ و ٣٩١»: أن أبا بكر رضي الله عنه قرأ في الركعة الثالثة من المغرب بـ: «أم القرآن» وهذه الآية: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ... } الآية.
وسنده صحيح -كما قال النووي «٣/ ٣٨٣» -. وزاد البيهقي في رواية: وقال سفيان بن عُيينة: لما سمع عمر بن عبد العزيز بهذا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ قال: إن كنتُ لَعَلَى غير هذا حتى سمعتُ بهذا؛ فأخذتُ به.
وقد أخذ به من علمائنا المتأخرين أبو الحسنات اللكنوي في «التعليق الممجد»«ص ١٠٢»، وقال:«وأغرب بعض أصحابنا؛ حيث حكموا على وجوب سجود السهو بقراءة سورة في الأخريين! وقد رده شراح «المنية»: إبراهيم الحلبي، وابن أمير حاج الحلبي، وغيرهما بأحسن رد، ولا أشك في أن من قال بذلك؛ لم يبلغه الحديث، ولو بلغه؛ لم يتفوه به». اهـ.
قال النووي:«واختلف أصحابنا في تطويل الثالثة على الرابعة؛ إذا قلنا بتطويل الأولى على الثانية».
قلت: وقد روى البيهقي حديثاً في تطويل الثالثة على الرابعة عن عبد الله بن أبي أوفى؛ لكن في سنده طَرَفَةُ الحضرمي، وهو مجهول - كما سبق قريباً -.
ومن طريقه رواه البزار، والطبراني في «الكبير» - كما في «المجمع»«٢/ ١٣٣».
قوله «وربما اقتصر على الفاتحة» فيه أن السنة قراءة «الفَاتِحَة» في الأُخريين من