الذي توفي فيه، ولم يصل المغرب بعده، وقد ورد التصريح بذلك في «سنن النسائي»؛ فحينئذٍ إنَّ سَلْكَ مسلكِ النسخ يُثْبِتُ نسخَ قراءة القصار، لا العكس.
وأما الثاني: فلأن إثبات التفريق في جميع ما ورد في قراءة الطوال مشكل، ولأنه قد ورد صريحاً في رواية البخاري وغيره ما يدل على أن جُبَير بن مُطْعِم سمع «الطُّور» بتمامه؛ قرأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المغرب؛ فلا يفيد حينئذٍ ليت ولعل، ولأنه قد ورد في حديث عائشة في «سنن النسائي»: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة «الأَعْرَافِ» في المغرب؛ فَرَّقَها في ركعتين. ومن المعلوم أن نصف «الأَعْرَافِ» لا يبلغ مبلغ القصار؛ فلا يفيد التفريق لإثبات القصار.
وإن الجواب الصواب هو الثالث. اهـ كلامه.
والحديث دليل -كغيره- على استحباب قراءة طِوَالِ المفصل أحياناً في المغرب - كما سبق في الذي قبله-.
وقد أجاب عنه الحنفية بأنه محمول على أنه قرأ بعض هذه السورة لا كلها، أو أنه منسوخ -كما سبق عن الإمام محمد-: والأول خلاف الظاهر -ولا يُخرج عنه إلا بدليل- وغاية ما تمسك به علماؤنا في ذلك حديث أبي هريرة المتقدم في أول الفصل؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، فعارض به الطحاوي وغيره هذه الأحاديثَ القاضية باستحباب قراءة طواله، وأولوها بما تقدم، ولا مبرر لذلك؛ فالجمع ممكن بما هو أقرب إلى الالتئام من هذا التأويل، وهو حمل هذه الأحاديث على اختلاف الأحوال -كما سبق- لا سيما وأن في بعض هذه الأحاديث ما لا يقبل هذا التأويل مطلقاً - كما مضى عن اللكنوي -.
وأما دعوى النسخ؛ فباطلة بشهادة هذا الحديث الصحيح؛ فإنه صريح في أنه قرأ بذلك في آخر صلاة صلاها - صلى الله عليه وسلم -، فلو كان هناك مُبَرِّرٌ للمصير إلى النسخ؛ لكان ادعاء العكس أقربَ إلى الصواب، وأحقَّ بالقبول عند ذوي الألباب، ولكن لا مسوِّغ لذلك طالما أن الجمع ممكن بما سبق. والله الموفق.