الحنفي رحمه الله؛ حيث قال في «حاشيته على ابن ماجه»: «قول من قال بالنسخ قول بلا دليل؛ بل لو فرض في الباب نسخ؛ لكان الأمر بعكس ما قالوا، فإن مالك بن الحويرث ووائل بن حُجْر - من رواة الرفع - ممن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - آخر عمره؛ فروايتهما الرفعَ عند الركوع والرفع منه دليلٌ على تأخرِ الرفع، وبطلان دعوى النسخ، فإن كان هناك نسخ؛ فينبغي أن يكون المنسوخ ترك الرفع، كيف وقد روى مالك هذا جلسة الاستراحة، فحملوها على أنها كانت في آخر عمره في سن الكبر، فهي ليس مما فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - قصداً؛ فلا تكون سنة! وهذا يقتضي أن لا يكون الرفع الذي رواه ثابتاً لا منسوخاً؛ لكونه آخر عُمُرِه عندهم، فالقول بأنه منسوخ قريب من التناقض. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمالك وأصحابه: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وبالجملة؛ فالأقربُ القول باستنان الأمرين، والرفع أقوى وأكثر». اهـ.
قلت: ولحديث ابن مسعود هذا ذهب ابن حزم إلى سُنِّيَّةِ هذا الرفع المختلف فيه، قال «٤/ ٨٨»: «ولولاه؛ لكان فرضاً على كل مُصَلٍّ أن يصلي كما كان - عليه الصلاة والسلام - يصلي، وكان - عليه الصلاة والسلام - يصلي رافعاً يديه عند كل خفض ورفع، ولكن لما صح خبر ابن مسعود؛ علمنا أن رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام سنة وندب فقط». اهـ.
فجعلَ حديث ابن مسعود صارفاً للأمر في حديث مالك:«صلوا. .. ». من الوجوب إلى السنية والاستحباب.
هذا، والذي أعتقده أن أئمتنا الأولين - أبا حنيفة وغيره - لم تبلغهم تلك الأحاديث المتواترة عنه - صلى الله عليه وسلم - في رفع اليدين في الموضعين المذكورين، ولو بلغتهم؛ لأخذوا بها، وتركوا حديث ابن مسعود؛ كما تركوا حديث التطبيق للأحاديث المعارضة لذلك. ويؤيد ذلك أن أبا حنيفة رحمه الله لما سأله بعض المحدثين عن سبب تركه رفع اليدين؟ قال:«لأنه لم يصح فيه حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». في حكاية ذكرها علماؤنا في كتبهم! فهل يعقل أن يقول عالم مثل أبي حنيفة هذا الجواب