وأخذوا بما رواه من التطبيق؟ ! كلا؛ لم يفعلوا ذلك، وأخذوا بالأحاديث الأخرى المعارضة لحديث ابن مسعود؛ فأصابوا، فكان عليهم أن يأخذوا أيضاً بأحاديث الرفع، ويتركوا حديث ابن مسعود في تركه. وهذا إلزام قوي لا مناص لهم من الأخذ به؛ لولا غَلَبة التقليد على أكثر الناس! وقد احتج بعض علمائنا بحجة أخرى على النسخ؛ وهو حديث جابر بن سمرة مرفوعاً:«ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْسٍ؟ ! اسكنوا في الصلاة».
أخرجه مسلم وغيره - كما سيأتي في آخر الكتاب [ص ١٠٣٣ - ١٠٣٤]-.
والاحتجاج به من أعجب الأشياء - كما قال النووي «٣/ ٤٠٣» -؛ لأن الحديث لم يرد في الرفع عند الركوع والرفع منه؛ بل ورد في رفع الأيدي حالة السلام من الصلاة؛ فإنهم كانوا يشيرون بها إلى الجانبين، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك - كما سيأتي منصوصاً عليه في الحديث نفسه -.
وهذا لا خلاف فيه بين أهل الحديث، ومن له أدنى اختلاط بأهل الحديث - كما قال النووي أيضاً -.
وقال البخاري في «جزئه»«١٣»: «فأما احتجاج من لا يعلم بهذا الحديث؛ فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام».
قال:«ولا يحتج بهذا من له حَظٌّ من العلم. هذا معروف مشهور؛ لا اختلاف فيه، ولو كان كما ذَهَبَ إليه؛ لكان رفع الأيدي في تكبيرة الافتتاح، وأيضاً تكبيرات صلاة العيد منهياً عنها؛ لأنه لم يستثن رفعاً دون رفع».
قال:«فليحذر امرؤ أن يتقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل.
قال الله عز وجل:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}». اهـ.
فقد تبين أن لا دليل لعلمائنا فيما ذهبوا إليه من النسخ. ومن اللطائف أن بعض المتأخرين المنصفين منهم قد عكس ذلك عليهم؛ ألا وهو أبو الحسن السندي