وقال البخاري في «جزئه»«٧»: «فإذا روى رجلان عن محدث، قال أحدهما: رأيته يفعل. وقال الآخر: لم أره.
فالذي قال: رأيته فعل. فهو شاهد. والذي قال: لم يفعل. فليس هو بشاهد؛ لأنه لم يحفظ الفعل. وهكذا قال عبد الله بن الزبير لشاهدين شهدا أن لفلان على فلان ألف درهم بإقراره. وشهدا أنه لم يقر بشيء: يعمل بقول الشاهدين، ويسقط ما سواه.
وكذلك قال بلال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة.
وقال الفضل بن العباس: لم يصل. وأخذ الناس بقول بلال؛ لأنه شاهد، ولم يلتفتوا إلى قول من قال: لم يصل.
حين لم يحفظ». اهـ.
فهكذا قول من قال من الصحابة: إنه - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه. مقدم على قول من قال: لم يرفع. لأنه لم يحفظ ما حفظوه، لا سيما وهم جمع، وذاك فرد؛ وهو ابن مسعود.
واستبعاد علمائنا رحمهم الله أن يخفى عليه ذلك لا يُجديهم نفعاً؛ لأن للمعارض أن يعكس ذلك؛ فيقول: وأبعد من ذلك أن يكون ابن مسعود علم النسخ الذي تدّعونه، ويخفى ذلك على جمهور الصحابة، وفيهم بعض الخلفاء الراشدين، فكانوا يعملون بالمنسوخ في زعمكم، ويروونه للأمة لتعمل به؛ لا سيما ابن عمر رضي الله عنه الذي كان إِذا رأى رجلاً لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع؛ رماه بالحصى. كما رواه البخاري «٨» بسند صحيح. فلو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ترك ذلك؛ لما فعلوا ذلك. على أن ما استبعده علماؤنا، وفروا منه قد وقعوا فيه؛ فإنهم رووا التطبيق عن ابن مسعود، ثم تركوه إلى الأخذ بالأخذ بالركب؛ لأحاديث وردت في ذلك.
والغريب أن هذه الأحاديث - التي ردوا بها تطبيق ابن مسعود - لا تبلغ قوتها قوة أحاديث الرفع - المعارضة لحديث ابن مسعود الفرد في ترك الرفع -. أفلا قالوا: إنه يستبعد أن يخفى على ابن مسعود الأخذ بالركب. فتركوا ذلك؛ لتركه له،