وعصام. ثم قال:«ويُعلم أيضاً أن الحنفيَّ لو تَرَكَ في مسألةٍ مذهبَ إمامه لقوة دليل خلافه؛ لا يخرج به عن رِبْقَةِ التقليد، بل هو عين التقليد في صورة ترك التقليد. .. » إلخ كلامه. وقد ذكرناه بتمامه في «المقدمة» فراجعه.
وأما المتأخرون؛ فهم كثيرون والحمد لله، لا سيما حنفية الهند؛ فإنهم - بارك الله فيهم - أكثر المسلمين اليوم علماً وعملاً بالسنة، وأقلهم تعصباً للمذهب، إلا ما وافق الحق منه. فمنهم: أبو الحسن السندي - وقد مضى كلامه في ذلك قريباً -. ومنهم: ولي الله الدهلوي في «حجة الله البالغة»«٢ - ١٠»، وأبو الحسنات اللكنوي في «التعليق المُمَجَّد على موطأ محمد»«٨٩ - ٩١»، والشيخ محمد أنور الكشميري في كتابه «فيض الباري»«٢/ ٢٥٧». ولولا خشية الإطالة؛ لنقلت كلماتهم في ذلك، فاكتفينا بالإشارة إليها، وإلى مواضعها من كتبهم. فليراجعها من شاء.
وأقول أيضاً: إنه لم يَخْلُ قرن فيما مضى إلا ووجد فيه كثير من الحنفية يعملون بالسنة وإن خالفت المذهب، ولكن موانع - يعلمها أهل العلم - منعت من وصول أخبارهم إلينا، أو تظاهرهم بها أمام أتباعهم المتعصبين. وقد كان الشيخ صالح الحِمْصي رحمه الله - وهو من علماء الحنفية - يرى سنية الرفع هذا، ولكنه كان لا يفعل ذلك خوفاً من قيام المتعصبين عليه، كما صارحني بذلك رحمه الله.
ومما يؤيد هذا الرأي أنه وُجد في القرن الثامن من الهجرة بعض الأئمة الحنفية كان يرفع يديه في كل تكبيرة وهو إمام، فجاء في فتوى شيخ الإسلام ما ملخصه «٢/ ٣٧٥ - ٣٨٠»: مسألة في رجل حنفي؛ صلى في جماعة، ورفع يديه في كل تكبيرة، فأنكر عليه فقيه الجماعة، وقال له: هذا لا يجوز في مذهبك، وأنت مبتدع فيه، وأنت مذبذب؛ لا بإمامك اقتديت، ولا بمذهبك اهتديت. فهل ما فعله نقصٌ في صلاته، ومخالفةٌ للسنة ولإمامه، أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى بعد أن أثبت سنية الرفع عند الركوع والرفع منه، ونفى سنية الرفع مع كل تكبيرة - وتبعه على ذلك تلميذه ابن القيم، ويأتي بيان خطئهما في ذلك في محله إن شاء الله تعالى -، قال شيخ