الإسلام:«وإذا كان الرجل متبعاً لأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد، ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى، فاتبعه؛ كان قد أحسن في ذلك، ولم يقدح ذلك في دينه ولا عدالته بلا نزاع؛ بل هذا أولى بالحق وأحب إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ممن يتعصب لواحد معين غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرى أن قوله هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون قول الإمام الذي خالفه، فمن فعل هذا؛ كان جاهلاً ضالاً، بل قد يكون كافراً؛ فإنه متى اعتقد أنه يجب على العامة تقليد فلان وفلان؛ فهذا لا يقوله مسلم. ومن كان موالياً للأئمة، محباً لهم، يقلد كل واحد منهم فيما يظهر أنه موافق للسنة؛ فهو محسن في ذلك، بل هو أحسن حالاً من غيره، ولا يقال لمثل هذا: مذبذب؛ على وجه الذم، وإنما المذبذب المذموم الذي لا يكون مع المؤمنين ولا مع الكفار؛ بل يأتي المؤمنين بوجه، ويأتي الكفار بوجه؛ كما قال تعالى في حق المنافقين:{إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً. مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ. .. } الآية».
قال: «ومن تعصب لواحد بعينه من الأئمة دون الباقين؛ فهو بمنزلة من تعصب لواحد بعينه من الصحابة دون الباقين؛ كالرافضي الذي يتعصب لعلي دون الخلفاء الثلاثة وجمهور الصحابة، وكالخارجي الذي يقدح في عثمان وعلي رضي الله عنهما. فهذه طرق أهل البدع والأهواء، فمن تعصب لواحد من الأئمة بعينه؛ ففيه شبه من هؤلاء، سواء تعصب لمالك أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد أو غيرهم.
ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهلاً بقدره في العلم والدين، وبقدر الآخرين؛ فيكون ظالماً جاهلاً، والله يأمر بالعدل والعلم، وينهى عن الجهل والظلم.
وهذا أبو يوسف ومحمد أتبع الناس لأبي حنيفة، وأعلمهم بقوله، وهما قد خالفاه في مسائل لا تكاد تحصى؛ لَمَّا تبين لهما من السنة والحجة ما وجب عليهما اتباعه، وهما مع ذلك معظِّمان لإمامهما، لا يقال فيهما: مذبذبان! بل أبو حنيفة وغيره من الأئمة يقول القول، ثم تتبين له الحجة في خلافه؛ فيقول بها، ولا يقال له: