قلت: وحجة هؤلاء ما سلف من الأحاديث، ولو صحت؛ لقلنا بجواز الأمرين؛ كما هو رواية عن مالك وأحمد - كما في «الفتح» -. وإذ لم تصح؛ فالعمدة على ما ذهب إليه الأولون، وهو قول أصحاب الحديث - كما قال ابن أبي داود، ونقله في «الزاد»«١/ ٨٢» -، وحجتهم في ذلك هذا الحديث.
وأما ما أخرجه الطحاوي «١/ ١٥٠»، والبيهقي «٢/ ١٠٠»، وأبو بكر بن أبي شيبة في «المصنف»«١/ ١٠٢/٢»، وعنه الأثرم في «سننه» - كما في «الزاد»«١/ ٨٠» -؛ كلهم من طريق ابن فُضَيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:«إذا سجد أحدكم؛ فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل». فقال الحافظ «٢/ ٢٣١» - تبعاً للبيهقي -: «إسناده ضعيف».
وأقول: بل هو ضعيف جداً، وعلته عبد الله بن سعيد هذا، وهو المقبري، وهو متروك - كما سبق في الحديث الذي قبل هذا -، وقد اتهمه بعضهم بالكذب. ولعله تعمد، فقلب هذا الحديث؛ فغير بذلك المعنى.
وليس العجب من هذا المتهم، وإنما العجب أن يعتمد على حديثه هذا ابن القيم في «الزاد»؛ فيزعم أن حديث أبي هريرة الأول الصحيح مما انقلب على بعض الرواة متنه، وأن أصله:«وليضع ركبتيه قبل يديه». - كما رواه المقبري هذا - وهو إنما ذهب ذلك المذهب؛ لأن الحديث غير معقول عنده؛ لأن أوله يخالف آخره - كما زعم -، إلا على قول من يقول: إن ركبتي البعير في يديه. ولكنه ينكر ذلك؛ فيقول:«إنه كلام لا يعقل، ولا يعرفه أهل اللغة، وإنما الركبة في الرجلين».
كذا قال وهو مما يتعجب منه أيضاً؛ كيف خفي عليه ذلك، مع أن نصوص العلماء كثيرة في إثبات ما نفاه؟ ! على أنه قد سُبِق إلى ذلك؛ فقد عقد الطحاوي رحمه الله في «المشكل» باباً خاصاً من أجل ذلك، ساق فيه هذا الحديث، ثم قال: «فقال قائل: هذا كلام مستحيل؛ لأنه نهاه إذا سجد أن يبرك كما يبرك البعير والبعير إنما ينزل يديه. ثم أتبع ذلك بأن قال: ولكن ليضع يديه قبل ركبتيه. فكان ما في هذا الحديث مما نهاه عنه في أوله قد أمره به في آخره. فتأملنا ما قال؛ فوجدناه مُحالاً،