الشيخ: لقد تكلمنا في هذه المسألة كثيرًا ولذلك فألخص الجواب عنها فأقول:
إن رفع الإصبع في التشهد سنةٌ ثابتةٌ في أحاديث كثيرة، ولكن لا يصح في شيء منها نفي التحريك، بل قد ثبت التحريك في حديثٍ صحيح صححه جماعةٌ من الأئمة المتقدمين والمتأخرين ألا وهو حديث وائل بن حُجرٍ رضي الله عنه الذي وصف لنا جلوس النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد في جملة ما وصف لنا من صلاته عليه السلام، فذكر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين جلس للتشهد رفع السبابة قال:«فرأيته يحركها يدعو بها» فقوله رضي الله عنه: «فرأيته يحركها يدعو بها» نصٌ صريحٌ على أن التحريك بدأ من ساعة جلوسه عليه الصلاة والسلام للتّشهد مستمرًا بالتحريك إلى الدعاء لأنه قال يدعو بها، أما تقنين التحريك مع لفظة الجلالة فهذا إنما هو مجرد رأيٍ ليس له أصلٌ لا في نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في أثر عن صحابي، ولذلك فالرأي الصحيح هو ماجاء في صحيح حديث وائلٍ أنه عليه الصلاة والسلام كان يحركها مستمرًا في تحريكها حتى نهاية التشهد - أي إلى السلام -، لم يقترن به فعلٌ، أليس يقال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، مثلاً قد قال عليه الصلاة والسلام:«من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقام المحمود الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» لم يُنقَل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو بهذا الدعاء، ولكنه كما تسمعون حضَّ أمته على أن كل من قال هذا الدعاء بعد سماع النداء تحل له شفاعته الخاصة منه - صلى الله عليه وسلم - بهذا الداعي يوم القيامة، ألا يدخل من كان ملتزمًا لهذا الدعاء في عموم قوله تعالى في حق نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}؟ أليس من قال هذا الدعاء قد اقتدى به عليه السلام -أي بقوله-؟ ، فكما يكون الاقتداء بفعله؛ يكون الاقتداء بقوله وتعليمه عليه الصلاة
والسلام، ولذلك فالاستدلال بالآية السابقة؛ اعتراضًا وانتقادًا لما جاء في بعض كتب علم الأصول، أصول الفقه أنه إذا تعارض قوله - صلى الله عليه وسلم - مع فعلٍ له قُدِم قوله على فعله، ما كان ينبغي للسائل أن يحشر الآية السابقة لترجيح الأخذ بالفعل على القول، بل الصواب هو ماحكاه من أن العلماء يقولون: إذا تعارض قوله - صلى الله عليه وسلم - مع فعله قُدِمَ قوله على الفعل، والسبب في