ذلك أن القول الصادر من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو تشريعٌ من الله على لسانه - صلى الله عليه وسلم - للأمةِ كلها، أما فعله عليه الصلاة والسلام فقد يحيط به بعض الاحتمالات التي تجعل فعله خاصًا به عليه السلام، وهذا -يجب أن تنتبهوا- هذا الكلام الأخير إنما هو فيما إذا كان فعله مخالفًا لقوله عليه الصلاة والسلام؛ ففي هذه الحالة يقول العلماء إن فعله عليه السلام إذا خالف قوله ولم يمكن التوفيق بين فعله وقوله ولا مناص حينئذٍ من مخالفةِ إمّا الفعل وإمّا القول فحينئذ اتباع القول ومخالفة الفعل هو اللائق بالأمة ذلك لأن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحالة - أؤكد في هذه الحالة فقط؛ أي حالة كون فعله مخالفًا لقوله - في هذه الحالة فقط يقال: يترك فعله عليه السلام له، ونأخذ نحن بقوله لما سبق ذكره آنفًا أن قوله تشريع عام للأمة أمّا فعله فيحيط به احتمالات، يمكن أن يكون فعله قبل أن يشرع للناس ماشرّع على لسان الله عز وجل ماشرّع بوحي من الله عز وجل لأمته، فيكون الفعل قبل القول، أو يكون فعله عليه الصلاة والسلام لعذرٍ لا ندري ما هو، أو يكون في النهاية أمرًا خاصًا، تشريعًا خاصًا به عليه الصلاة والسلام لايشاركه فيه أحدٌ من المسلمين.
مثال ذلك مثلاً: من المقطوع به أن النبي عليه الصلاة السلام تزوج من النساء أكثر من أربع، بل مات عليه الصلاة والسلام وتحت عصمته تسع من النساء وهذا خلاف ماجاء في ظاهر قوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} وتأكد معنى المعنى الظاهر من هذه الآية بالحديث الذي جاء في السنن: أن رجلاً أسلم وتحته تسع من النسوة فلما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر له ذلك، قال له عليه الصلاة والسلام:«أمسك أربعًا منهن وطلّق سائرهن» هذا قوله عليه السلام وذاك فعله، فما موقف ذاك السائل الذي حشر الأية الكريمة في محاولة ترجيح الفعل على القول؟ لا يجد له سبيلاً إلا أن يمشي مع عامة المسلمين، علماء ومن دونهم، بأنَّ تَزَوُج النبي - صلى الله عليه وسلم - بتسعٍ من النساء بل وبأكثر من ذلك إنما هي خصوصيةٌ خصه الله تبارك وتعالى بها، فنحن ندع فعله له عليه السلام ونأخذ بقوله كما في الآية وفي الحديث المذكور آنفًا، والأمثلة على ذلك تكثر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولعله يحسن بي في ختام الجواب على هذا السؤال أن أضرب مثلاً آخر حساسًا