للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له علاقة بحياتنا الإجتماعية في هذا الزمان، حيث أننا نخالف قوله - صلى الله عليه وسلم - محتجين بفعله مع أنه يرِد عليه ما ذكرته من الاحتمالات الثلاثة، ألا وهو شرب كثيرٍ من الناس قيامًا، وهم يعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن الشرب قائمًا، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله تعالى عنه قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائمًا»، وفي روايةٍ: «زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائمًا، فقيل له: أرأيت الأكل؟ قال: شرٌ» أي الأكل من قيام شر من الشرب من قيام، كثير من الناس نراهم يتساهلون فيشربون قيامًا، وإذا ما أوردت عليهم هذا الحديث مُذكِّرًا لهم بنهيه، بل بزجره - صلى الله عليه وسلم - لنا معشر المسلمين عن الشرب قائمًا، بادروك بقولهم: ألم يشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا؟ ، جوابنا: نعم، قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث، وفي غير ما حالةٍ واحدةٍ أنه شرب قائمًا، ولكن ما العمل وأمامنا حديثٌ من قوله - صلى الله عليه وسلم - وهو زجرُه عن الشرب قائمًا وعندنا أيضًا فعله - صلى الله عليه وسلم - وهو شربه قائما، إذا عرفتم القاعدة السابقة وحاولتم التوفيق بين نهيه وفعله؛ لابد أنكم ستجدون أنفسكم إذا سلمتم بها أن تقولوا ربما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب قائمًا لأنه لم يتمكن من الشرب قاعدًا، وهذا يلاحظه الباحثون المتفقهون في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحاديث التي جاء فيها أنه - صلى الله عليه وسلم - شرب قائمًا، حيث في هذا الحديث وهو في سنن الترمذي وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى قِربةٍ معلَّقةٍ فحل وكاءها وشرب منها قائمًا، أي أن القربة كانت مُعلَّقة، وليس من السهل إنزال القربة والشرب منها، وهو عليه الصلاة

والسلام جالسٌ، تصور هذه القصة يغنينا عن محاولة التكلف في بيان السبب الذي شرب عليه الصلاة والسلام قائمًا.

فالأحاديث التي ليس فيها بيان السبب تُحمَل إما على هذا المحمل وهو العذر، وإما على محمل ثاني وهو أن يكون الشرب قبل النهي، وإما على المحمل الأخير أن يكون ذلك حكمًا خاصًا به عليه الصلاة والسلام.

بعض العلماء ممن عالجوا هذه المسألة، حاولوا الجمع بين الفعل والقول، والمحاولةُ في الأصل أمر مطلوب ولكن بشرطِ أن تكون المحاولة ليس فيها تكلفٌ، وليس فيها تعطيل لقوله عليه الصلاة والسلام بوجه من وجوه التأويل، كما سترون

<<  <  ج: ص:  >  >>