فيما يأتي، قالوا توفيقًا بين فعله - صلى الله عليه وسلم - بين شربه قائمًا وبين نهيه عن الشرب قائمًا، نحمل النهي على التنزيه؛ أي يكون الحكم أن الشرب قيامًا هو مكروهٌ وليس بحرام، فالأولى أن يشرب الشارب جالسًا، هذا ما قاله بعض أهل العلمِ ومنهم الإمام النووي، لكن هذا الجمع وقف عند لفظ نهى، لكنه لو تعدّى نظر الجامع المذكور إلى الرواية الآخرى التي تقول:«زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائمًا»؛ لوجد نفسه غير موفق في ذلك التوفيق، لأن الزجر أقوى من النهي، الزجرُ كما لوكان النص حرّم رسول الله الشرب قائمًا، حينئذ لا سبيل إلى تأويل التحريم إلى الكراهة التنزيهية، ولذلك فالتأويل السابق كان يمكن أن يكون سائغًا ومقبولاً لولا الرواية الأخرى:«زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائمًا» أما وهي أيضًا صحيحة وفي صحيح مسلم؛ فبذلك يثبت أن ذلك التأويل تأويل هزيل، لاينبغي الاعتماد عليه، يزداد التأويل المذكور ضعفًا على ضعفٍ، فيما إذا تذكرنا حديثًا آخر أخرج معناه الإمام مسلم في صحيحه أما اللفظ فأخرجه الإمام أحمد في مُسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم رأى رجلاً يشرب قائمًا فقال له:«يافلان أترضى أن يشرب معك الهر؟ قال: لا يارسول الله، قال: فقد شرب معك من هو شرٌ من الهر الشيطان، شرب معك الشيطان لأنك شربت قائمًا» ثم قال له عليه الصلاة والسلام أو لغيره ممن شرب قائمًا: «قئ قئ» أمره بأن يستفرغ الماء الذي شربه قائمًا، هذا حكم مكروه كراهة تنزيهية أن يُكلَّف من ارتكب مكروهًا أن يشق على نفسه وأن يستفرغ ما في بطنه من الماء، ليس هذا سبيل المكروهات وإنما هو سبيل
المحرمات ثم إذا كان الشيطانُ قد صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه قد شارك هذا الشارب للماء قائمًا، أفيكون هذا ايضًا مكروهًا كراهةً تنزيهية؟ الجواب: كلا ثم كلا ثم كلا، وختام القول أن هذا مثالٌ صالح، كيف ينبغي، أو لماذا قال أهل العلم بأنه إذا تعارض القولٌ مع الفعلِ قُدِمَ القول على الفعل، هذا أمر لا يشك فيه منّ تتبع أحكام الشريعة في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه سيجد نفسه مضطرًا إلى القول بما قاله هؤلاء العلماء؛ أنه إذا تعارض فعله - صلى الله عليه وسلم - مع قوله قُدِمَ القول على الفعل، هذا حينما لا يمكن التوفيق بين فعله وقوله كما ضربنا لكم آنفًا مثل الشرب قيامًا، ومثل التزوج بأكثر من أربع وفي هذا