للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه الشرطان السابقان -ذكراً-: الإمام الراتب، والمؤذن الراتب، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: ممكن للإنسان أن يقيم جماعة في مسجد له إمام راتب، وله مؤذن راتب، لكن يكون له عذر، أنا أعرف من نفسي حينما كنت سائراً من دمشق إلى حلب، كانت تدركنا الصلاة في الطريق، فندخل مسجداً، نراقب المسجد، فيه أحد؟ لأن الناس صلوا وانتهوا، -والمسجد في قرية- بطبيعة الحال-، فإن وجدنا ناساً هناك صلينا فرادى، وإن لم نجد صَلّينا في زاوية من المسجد، لأن المحذور الذي يُخشى أن يقع من القول بتكرار الجماعة، هو أن يتحقق هذا الواقع المؤلم، الموجود اليوم في كثير من المساجد هنا وهناك.

مسجد بني أمية في دمشق، من أكبر المساجد في العالم الإسلامي كُلِّه، كنا ندخل بعد صلاة العصر قريباً من المغرب، ونجد أناساً جماعةً يُصَلّون صلاة عصر، -الله أعلم كم جماعة أُقِيمت ما بين العصر وما بين المغرب-، في هذا تفريق لجماعة المسلمين.

فالحِكْمَة من عدم شرعية الجماعة الثانية في المسجد الذي له إمام راتب ومؤذن راتب، هو المحافظة على تكثير الجماعة الأولى، فإذا ما تساهل المسلمون -كما هو واقع اليوم، عَدَّدوا الجماعات-، قَلَّت الجماعة الأولى، ولذلك تجد المساجد لا تمتلئ بالمصلين في الجماعات بخلاف يوم الجمعة لأن كثيراً من المسلمين يصلون الجمعة فقط، لكن من أسباب كثرة الجماعة يوم الجمعة، وقِلَّتِها في الصلوات الخمس، هو أنهم يُصَلّون جماعات متعددة بعد الجماعة الأولى، فمن باب سد الذريعة، وسد تقليل الجماعة الأولى، مُنِعَ عقدُ جماعةٍ ثانية بعد الإمام الأول.

ففي مثل الصورة التي صَوَّرتُها آنفاً: إذا كنا مسافرين -مثلاً- ودخلنا مسجداً، نعلم أن له إماماً راتباً، ومؤذناً راتباً، لكن ما أحد يوجد في المسجد، فراح نصلي وننصرف، ولا نُبْقِي هناك أثراً لمثل هذه الجماعة الثانية، فممكن أن يكون وضع أنس في تلك الصلاة التي صلاها، لاحظ ما نلاحظه نحن، ويمكن أن يكون غير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>