للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الذي يمكن أن يقال -على أقلّ احتمال- أن هذا الأثر لا يوجد فيه وصف لذاك المسجد، وأنه كان له إمام راتب، ومؤذن راتب، ولذلك: فلا يُنْقَض بهذا الأثر، ما ثبت من تعامل المسلمين في القرون الأولى، في محافظتهم على الجماعة الأولى.

ثم نُذَكِّر بما يناقض هذا الأثر- لو فرضنا أن فيه دليلاً لشرعية الجماعة الثانية- يعارضه مع الفَرَضية المذكورة، أثر عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه خرج مع صاحبين له إلى المسجد لصلاة الظهر فيما أذكر، وإذا بالناس يخرجون من المسجد، يعني: فاتت صلاة الجماعة، فما دخل بهم المسجد، وإنما رجع فصلى في الدار، وهو يعلم يقيناً قولَ الرسول عليه السلام: «أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة»، فما الذي منعه أن يدخل المسجد ويصلي في المسجد جماعة؟ يعلم أنه لا تشرع الجماعة الثانية في مسجد صلى فيه الإمام، ولذلك آثر أن يصلي جماعةً في الدار، على أن يصلي جماعةً في المسجد، لأنه هكذا جرت سنة الرسول -عليه السلام- والصحابة، كما قال الحسن البصري: «كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخلوا المسجد، ووجدوا الإمام قد صلى صلوا فرادى»، وهذا الأثر رواه ابن أبي شيبة بسند قويّ عن الحسن البصري، وتَبنّاه الإمام الشافعي، فذكره بأنه قضية مُسَلَّمة، فقال: من الأدلة التي يُؤَيد بها قوله: «إذا دخل جماعةٌ المسجد فوجدوا الإمام قد صلى، صَلّوا فرادى»، ثم ذكر السبب قال: «لأنه لم يكن من عمل السلف»، قال: «وأَنَّا قد حفظنا: أن جماعةً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتتهم الصلاة مع الجماعة، فصَلّوا فرادى، وقد كانوا قادرين على أن يُجَمِّعُوا في المسجد مرةً أخرى، ولكنهم لم يفعلوا؛ لأنهم كرهوا أن يُجَمِّعُوا في مسجدٍ مرتين، هذا كلام الإمام الشافعي، وهو صريح المعنى، وصريح الاستدلال بالأثر الذي رواه ابن أبي شيبه في المصنف.

(الهدى والنور/ ٨/ ٥٥: ٥٣: .. )

<<  <  ج: ص:  >  >>