وهذا معناه: أنه لا جماعة ثانية؛ لأنه لو قال الرسول:«ماذا تفعلون هنا»؟ لماذا لا تحضرون صلاة الجماعة؟ كانوا سيقولون يا رسول الله: هناك جماعة ثانية .. هناك جماعة ثالثة.
لكن: لا، مسدود عليهم طريق الاحتجاج على الرسول، وحجة الرسول قائمة عليهم؛ لأنه نَبَّأهم أنه لا جماعة إلا الجماعة الأولى؛ ولذلك جاز له عليه الصلاة والسلام، أن يُخَالف إلى أولئك الأقوام، ويُحَرِّق عليهم بيوتَهم، لكنه لم يفعل لسبب معروف عند العلماء، وهو أن في البيوت من لا تَجِب عليهم صلاةُ الجماعة من النساء والأطفال ... إلى آخره.
وهذا أسلوب رائع جداً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الترهيب من مخالفة الشرع، وهو الهَمّ بتحريق النار، لماذا لم يفعل؟ لأنه قام المانع .. وُجِد المُقْتَضي للتحريق، فَهَدّدهم بذلك، لكن قام المانع فلم يُنفِّذ، هذا أسلوب رائع جداً.
إذاً: لهذا الحديث وجذوره، لم يكن السلف الصالح يعرفون جماعتين في مسجد واحد.
ولذلك صح عن عبد الله بن مسعود، أنه كان عنده رجلان من أصحابه التابعين الذين نقلوا العلم عنه، فانطلقوا إلى المسجد، وإذا الناس خارجون، انتهت الصلاة، فعاد بهما إلى بيته وصلى بهم جماعة وهو يعلم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» فلماذا لم يدخل المسجد ويُصَلِّي الفريضة؟ لأن الرسول يعني قال أفضل صلاة الجماعة؟ لكن عندما كان لا جماعة ثانية، رجع بهم وجَمَّع بهم في بيته.
ومن هذه النقول، وهي كثيرة وكثيرة جداً: لذلك فالجماعة الثانية لا تشرع نصاً وعقلاً .. نقلاً وعقلاً؛ لأنها تُفَرِّق جماعةَ المسلمين، وتُتَّخذ وسيلة للتباغض والتنافر والتشاحن ..