وأنا رُبِّيت في دمشق، وكنت أدخل مسجد بني أمية بعد صلاة العصر لحضور بعض الدروس هناك كنت في بعض الأحيان أسمع أذان المغرب، وجماعة صلاة العصر لم تُسَلِّم بعد.
أي: من جملة الجماعات .. صلى الإمام الأول الحنفي .. هذا في الزمن الأول، بعد ذلك أصبح الإمام الأول هو الشافعي، وبعد ذلك: صلى الإمام الأول في محرابه والإمام الثاني في محرابه والثالث والرابع .. أربعة محاريب .. أربعة أئمة يُصَلّون بصورة رسمية، ونظامية في المسجد الأموي الكبير .. مع ذلك تستمر الجماعات، حتى ندرك جماعة تُصلِّي العصر وأذان المغرب يُؤَذَّن، فالقول بجواز الجماعة الثانية، وإدخالها تحت عموم قوله عليه السلام:«صلاة الجماعة تَفْضُل صلاةَ الفرد بسبع وعشرين درجة» هذا فيه تعطيل الجماعة الأولى.
ولذلك: الآن نجد الفرق بين صلاة الجمعة وصلاة الجماعة ..
صلاة الجمعة: لأن الناس يعلمون أن لا تكرار فيغص المسجد بالمصلين .. صلاة الظهر يعرفون أنها تتكرر، فيكملوا صف أوصفين ..
هذه الآثار كافية لتنبيه المسلم بِصحَّة هذا القول الذي نقلتُه لكم آنفاً، أنه لا جماعة ثانية في مسجد له إمام راتب ومؤذن راتب.
وهذا القول مُدَعَّم بالسنة العملية، أي: في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في مسجده إلا جماعة واحدة، وهذا يُسْتَنْبط باستنْباطات دقيقة جداً، منها: قوله عليه السلام: «لقد هممت أن آمُرَ رجلاً فيُصَلِّي بالناس، ثم آمرُ رِجَالاً فيحطِبُوا حَطَباً، ثم أُخالف إلى أُناس يَدَعون الصلاة مع الجماعة، فأُحَرِّق عليهم بيوتَهم، -والذي نفس محمد بيده- لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها» أي: صلاة العشاء.
وجه الاستنباط من الحديث: أن الرسول عليه السلام هَمَّ أن يُوكِل واحداً يصلي نيابةً عنه، ويذهب هو يُغافل المتخلفين عن صلاة الجماعة، ويُحَرِّق البيوت عليهم، لماذا؟ لأنهم تركوا فريضة الجماعة.