لما سبق من الدليل أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا فاتتهم الصلاة مع الجماعة أي: الأولى صلوا فرادى، فلماذا صلوا فرادى؟ ذلك أولًا؛ لأن الفضيلة التي ذكرناها آنفًا أنها بسبع وعشرين درجة قد فاتت فلا مجال لتعويضها، وثانيًا: لأن عمل السلف كان على عدم إعادة الجماعة، فالجماعة الأولى هي التي أشار إليها نبينا صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وقد هممت أن آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم آمر رجالًا فيحطبوا حطبًا، ثم أخالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة» الجماعة هنا بالعهد أي: الجماعة التي كان [يقيمها، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقول]: «لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها يعني: صلاة العشاء» فإذا ذكرنا هذا الحديث الذي فيه هذا الوعيد الشديد حيث هم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة هذا الهم الدال على أهمية وعظمة حكم صلاة الجماعة وهي
أنها فريضة، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هَمَّ بتحريق المتخلفين عن هذه الجماعة هي الجماعة الأولى، فهل من قائل بأن مثل هذا الترهيب الشديد يتوجه أيضًا إلى كل الجماعات التي تقام بعد الجماعة الأولى، ما أتخيل عالماً أوتي شيئًا من الفقه يجرؤ على أن يقول بأنه يعاقب المتخلف عن الجماعة الثانية فما بعدها كما يعاقب المتخلف عن الجماعة الأولى، إذا ذكرنا هذا الوعيد الشديد للمتخلف عن صلاة الجماعة الأولى والذي لنا أن نذكر مثل هذا الوعيد في جماعة أخرى اتفق العلماء على أنه لا يشرع في إعادتها مرة ثانية ألا وهي جماعة صلاة الجمعة.
كما سمعتم هذا الحديث وهو في الصحيحين بنحوه أو بلفظه عن أبي هريرة، ففي صحيح مسلم نحوه من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد هممت أن أحرق بيوت المتخلفين عن صلاة الجمعة» فحينما ترون اشتراط التخلف عن صلاة الجمعة وعن صلاة الجماعة تفهمون أن في غير صلاة الجمعة هي حكمها مثل حكم صلاة الجماعة، أي: هي فرض كما قال الله تبارك وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[البقرة: ٤٣] كذلك نفهم أنه كما لا يجوز إعادة الجمعة في المسجد الواحد، كذلك لا يجوز إعادة الجماعة في المسجد الواحد