منها: هذا الحديث، فهم يفهمون «ال» الجماعة هنا «ال» هو ليس للعهد عندهم، وإنما هو للاستغراق والشمول، كأنهم يفهمون الحديث:«صلاة الجماعة أيَّ: صلاة كل جماعة»، سواء كانت الأولى، أو الثانية أو العاشرة، فهي تَفْضُل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.
لكن الصواب أن «ال» -هنا- الجماعة، هي للعهد، وليس للاستغراق والشمول، وهذه قاعدة مُهمة جداً، وهي أَن تُفَسّر النصوص والأقوال النبوية، بالتطبيق النبوي.
فإذا كان هناك في العهد النبوي جماعات متعددة، كانت تقع في مسجده عليه السلام، وهو يُقِرِّها ويشاهدها ولا ينكرها، -حينئذٍ- حُقَّ لأولئك الناس، أن يفهموا «أل هنا» في الجماعة للاستغراق والشمول، بحيث تشمل كل جماعة، سواء كانت الأولى أو الأخرى.
لكن ما دام أنّا نقطع بأنه عليه السلام، لم تَقُم في مسجده إلا جماعة واحدة، من الأدلة التي ذكرناها -آنفاً-.
وهناك أدلة أخرى تؤكد الأدلة الأولى، منها: -مثلاً- ما ذكره الإمام الشافعي في كتابه «الأم»، -وهو كتاب قَيّم جداً- يتعرض لهذه المسألة، فيقول بلسان عربي مبين:«إذا دخل جماعةٌ المسجد فوجدوا الإمام قد صلى، صلوا فرادى، وإذا صَلّوا جماعة أجزأتهم صلاتهم، ولكني أكره ذلك، لأنه لم يكن من عمل السلف» هنا الشاهد.
ثم يقول في الصفحة الأخرى:«وأنا قد حفظنا: أن جماعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتتهم الصلاة مع الجماعة، فصلوا فُرَادى، وقد كانوا قادرين على أن يُجَمِّعوا مرة أخرى، ولكنهم لم يفعلوا، لأنهم كرهوا أن يُجَمّعوا في المسجد مرتين» فأصحاب الرسول لابد فاتتهم الجماعة، لأن الإنسان له أعذارُه، فما كانوا يعقدون جماعة ثانية، وإنما كل فرد يُصَلِّي وحده، هذا نص الإمام الشافعي في «الأم».