للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما حكاه عن الصحابة تعليقاً بغير سند، قد أسنده «الحافظ ابن أبي شيبة» في «مُصَنّفه»، عن الحسن البصري: «بأن الصحابة كانوا إذا فاتتهم الصلاة مع الجماعة، صلوا فُرَادى».

ويؤكد هذا المعنى: أنه لو قيل بشرعية الجماعة الثانية، وأن لها تلك الفضيلة، التي للجماعة الأولى، لعادت الجماعة الثانية أفضل من الأولى، وكيف ذلك؟

روى الإمام «النسائي» في «سننه» بسند قوي «عنه - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: «من توضأ في بيته، فأحسن وضوءَه، ثم أتى مسجد الجماعة، فوجد الناس قد صَلّوا، كَتَب الله له مثل أجر صلاتهم، دون أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء» فإذا صلى هذا الجماعة الثانية، وكتبت له الجماعة الأولى، صار له ثوابين، وهذا لا يقول به عاقل.

وأخيراً نقول: -كما أَلْمَحْنا في أول كلامنا في هذه المسألة- أننا نعرف عملياً أنا شخصياً وغيري- أنه إذا ما استقر في ذهن المسلم، أن هناك جماعةً ثانية مشروعة، فذلك يدفعه دفعاً إلى أن لا يتحمس للجماعة الأولى، واسأل به خبيراً؛ لأنني كنت أجلس في دكاني، وأنا معروف أنني نشأت ساعاتي المهنة، وكان المسجد بجانبي، فكنت أسمع الأذان والساعة بيدي، أُرَكِّب بُرغة، أُرَكِّب عقرب، أو أيَّ شيء، فأقول: لو أُرَكِّب هذا البرغة، لو أُرَكِّب هذا العقرب، وبعدُ العقل يُحَدِّث نفسي: إذا أتممت معك تصليح هذه، ورحت المسجد، ووجدت الجماعة انتهت، ترجع نفسي تقول: عقلي أين كان؟ تلاقي جماعة ثانية، لأنه كان في نفسي قبل أن ربي يُبَصِّرني بسنة نبيه أن فيه جماعة ثانية، وهذا هو المقرر في بطون كتب المذاهب تقريباً.

فتعود المناقشة بين العقل والنفس، طَيِّب، تذهب إلى المسجد، ربما لا تجد إماماً، طيب، أنت ما عاجبك نفسك، أنت طالب علم! أنت تصلي بالناس إماماً، وهكذا، فكثيراً ما فاتتني الصلاة، بهذه التَعَلُّلات وهذه المناقشات.

لكن لما قام في نفسي: أنه لا جماعة ثانية، فنادر جداً جداً جداً أن تفوتني هذه الجماعة، وإذا فاتتني، صليت وحدي لأشعر بأنني خاسر، راحت الجماعة الأولى.

وهذا مشاهد في صلاة الجمعة -مثلاً-، صلاة الجمعة لماذا يَغُصّ المسجد

<<  <  ج: ص:  >  >>