واعلم أن علماءنا قد اختلفوا في القراءة خلف الإمام على أقوال: الأول: أنهم اختاروا ترك القراءة، لا أنهم لم يجيزوه؛ بأن كرهوه أو حرموه.
الثاني: أنها مكروهة كراهة تحريم. وهو الذي اختاره ابن الهمام، وتبعه كثيرٌ ممن بعده، وبه صرح جمعٌ ممن قبله.
الثالث: أن قراءة الفَاتِحَة مستحبة في السرية، ومكروهة في الجهرية في رواية عن محمد - كما ذكره صاحب «الهداية» و «الذخيرة» وغيرهما -، وهو رواية عن أبي حنيفة - كما ذكره الزاهدي في «المجتبى» -، وهو الذي اختاره أبو حفص الكبير - من كبار تلامذة الإمام محمد -، وغيره من الحنفية.
والرابع: أن الإنصات واجب؛ كما ذكره الكيداني.
وذكر في بحث المحرمات: أن ترك كل واجب في الصلاة حرام. فيعلم منه أنه قائل بحرمة القراءة خلف الإمام.
والخامس: أن الصلاة تفسد بالقراءة خلف الإمام، ويكون فاسقاً - كما نقله في «الدر»«١/ ٥٠٨ - بحاشية ابن عابدين» -.
وقد ذكر هذه الأقوال أبو الحسنات اللكنوي في «الإمام»«ص ٢١ - ٢٩» معزوة إلى مصادرها المشهورة من كتب الحنفية، ثم قال:«فهذه خمسة أقوال لأصحابنا، أضعفها وأوهنها؛ بل أوهن جميع الأقوال الواقعة في هذه المسألة: القول الخامس. وهو نظير رواية مكحول الدمشقي الشاذة المروية عن أبي حنيفة: أن رفع اليدين عند الركوع وغيره مفسد للصلاة، وبناءُ بعض مشايخنا عليها عَدَمَ جواز الاقتداء بالشافعية، وكلاهما من الأقوال المردودة التي لا يحل ذكرها إلا للقدح فيها؛ وإن ذُكرا في كثير من الكتب الفقهية لأصحابنا الحنفية، وقد أوضحت ذلك في رسالتي «الفوائد البهية في تراجم الحنفية»؛ فلتطالع، وليت شعري هل يقول عاقل بفساد الصلاة بما ثبت فعله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجماعة من أكابر أصحابه؟ ! ولو فرضنا