وقد نقل هذا القول أيضاً العيني وغيره. قال أبو الحسنات (١٦٠): «وهذا وأمثاله، وإن ذكره كبار الفقهاء؛ لكن أكثرهم ليسوا بمحدثين، ولم يسندوها بأسانيد معتبرة في الدين، ولا عَزَوْها إلى المخرجين المعتبرين؛ فكيف يطمئن به في إثبات أمر من أمور الدين؟ ! ». اهـ. وفي أمثال هؤلاء الفقهاء قال الشيخ علي القاري في «موضوعاته» (ص ٨٥): «حديث: «من قضى صلاة من الفرائض في آخر جمعة من شهر رمضان؛ كان ذلك جابراً لكل صلاة فاتته في عمره إلى سبعين سنة». باطل قاطعاً؛ لأنه مناقض للإجماع، على أن شيئاً من العبادات لا يقوم مقام فائتة سنوات. ثم لا عبرة بنقل «النهاية»، ولا بقية شراح «الهداية». فإنهم ليسوا من المحدثين، ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرِّجين». وأي مخرِّج خرَّج هذا؟ ! وأي راوٍ روى هذا؟ ! ومجرد نسبته إليهم - حاشاهم عنه - من دون سند مسلسل محتج برواته مما لا يعتد به! وقريب من هذا القول: قول الحرمة، ووجوب ترك القراءة؛ فإنه مجرد دعوى لا بد من دليل وتعليل، ولا يختاره - بل ولا يذكره - إلا مثل الكيداني الذي عد الإشارة في التشهد من المحرمات! وقد رد عليه علي القاري المكي في رسالته: «تزيين العبارة بتحسين الإشارة» ورسالة: «التزيين بالتدهين» رداً بليغاً، وحقق ثبوت الإشارة - بل سنيتها - بالدلائل الواضحات. وأما القول بالكراهة التحريمية؛ فهو الذي ذهبت إليه جماعة غفيرة من الحنفية، واستدلوا عليها بدلائل سيأتي ذكرها، مع ما لها وما عليها؛ بحيث يتنبّه الجاهل، وَيَنْشَطُ الفاضل الكامل. وأحسن هذه الأقوال: هو القول الثالث، وهو - وإن كان ضعيفاً رواية؛ لكنه - قوي دراية - كما ستقف عليه -». ثم ذكر أدلتهم في ذلك (ص ٧٤ - ١٥٩)، وناقشها، وبين ما لها وما عليها، وأقواها سنداً - بعد الآية الكريمة: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} حديثُ أبي هريرة في المنازعة، ثم حديثه: «وإذا قرأ؛ فأنصتوا»، ثم هذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه - وقد بينا ونقلنا عنه أيضاً أن كل ذلك لا يدل على المنع من القراءة في السرية؛ إلا إن كان فيها تخليط وتشويش -، ثم بقية الأحاديث - وأكثرها ضعيفة الأسانيد؛ مع أنها كلَّها لا تدل على الحرام -. ثم قال: «فظهر أن قول أصحابنا بكفاية قراءة الإمام، وعدم افتراض القراءة للمأموم في غاية القوة، وكذا قولهم بكراهة القراءة مع قراءة الإمام في الجهر؛ بحيث يخل بالاستماع، أو بالحرمة، ووجوب السكوت عند ذلك، في نهاية الوثاقة». [منه].