للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقط جوازه وليس وجوبه والأمثلة على ذلك في القرآن معروفة ومذكورة في علوم الأصول .. علم الأصول على اختلاف المذاهب.

مثلاً قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] فأمره بالصيد هنا هو رفع للمحظور السابق بالنسبة للمحرم أنه لا يصطاد، كذلك قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] فهذا الأمر بالانتشار بعد انقضاء الصلاة لا يعني وجوبه وإنما يعني جوازه؛ لأنه مسبوق بقوله عز وجل: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] فهذا الأمر الذي يفيد ترك العمل جاء رفعه بقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: ١٠] فإذا استخدمنا هذه القاعدة الأصولية ورجعنا إلى الحديث على فرض صحته بذاك اللفظ فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، فلا تفعلوا نهي إلا بفاتحة الكتاب استثناء من النهي يفيد الإباحة ولا يفيد الوجوب.

أما الجملة التي بعد ذلك وهي قوله عليه الصلاة والسلام: «فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» هي جملة تعليلية لهذا الحكم فإن كان الحكم واجباً فهو تعليل لهذا الحكم الواجب، وإن كان الحكم مستحباً فهو تعليل لهذا الحكم المستحب، وإن كان الحكم الجواز فهو أيضاً تعليل لهذا الحكم الجائز، فإذا عرف هذا كان واضحاً جداً أن الحديث لا يدل على وجوب القراءة للمقتدي وراء الإمام في الصلاة الجهرية.

فإن مما يؤكد هذا أمور أوضحها أن هذا الحديث الذي فيه ما سبق من العلة قد جاء في مسند الإمام أحمد بلفظ يؤكد أن هذا الأمر لا يعني الوجوب بل الجواز المرجوح، حيث كان لفظه: «فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب» فقوله: إلا أن يقرأ، يعني: إن ولا بد واحد منكم يريد يقرأ فليقرأ بفاتحة الكتاب؛ لأن الأصل فيها أن لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

لهذا كان الراجح ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله في هذه المسألة وتبعه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية من أن المقتدي يجب عليه أن يقرأ في السرية وأن

<<  <  ج: ص:  >  >>