حتى عند الذين يقولون بأن هذا الحديث يخصص الآية فكان تخصيصهم للحديث بها خلاف هذه [الصورة] التي أشرت إليها آنفاً فيكون القول الراجح كما قلت في أول هذا الكلام ما ذهب إمام السنة وابن تيمية ومن وافقهما على ذلك هو الأصل والأولى بالحفظ والتفقه فيه.
وبذلك ننجو من مشاكل كثيرة وكثيرة جداً إذا تأملها المسلم لا يجد له مخرجاً إلا بتبني هذا الرأي وهو السكوت وراء الإمام إذا كان يقرأ جهراً وإذا لم يدرك قراءة الفاتحة وإنما أدرك الإمام راكعاً يكون مدركاً للركوع.
ولما كان كثير من أولئك العلماء الذي تبنوا إيجاب قراءة الفاتحة في الجهرية كانوا يجدون في أنفسهم ولا شك تردداً في هذا الحكم؛ لأنهم [يواجهون] الآية: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا}[الأعراف: ٢٠٤] فضلاً عن مثل قوله عليه السلام: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا» ثم كانوا يجدون في أنفسهم شيئاً من التردد لهذا الحكم أوجدوا لهم مخرجاً بأن أوجدوا شيئاً لا نجد له أثراً في السنة وهو أنهم طلبوا من كل إمام أن يسكت سكتة طويلة بعد فراغه من قراءته الفاتحة لكي يتمكن المقتدي من القيام بفرضه ألا وهو قراءة الفاتحة؛ وذلك لأنه كما نشعر جميعاً الحقيقة [أنهم وقعوا في هذا بسبب الرأي الذي تبنوه] كما أعتقد وإلا ما كان ينبغي لهم أن يوجدوا لأنفسهم هذا المخرج وليس وارداً في السنة، متى يقرأ المقتدي الفاتحة؟ إن قيل: بأنه يقرأ الفاتحة مع قراءة الإمام للفاتحة فلم الجهر بها، وما [الفائدة] من ذلك؟ هذا لا وجود له في الإسلام أن يقول الشارع الحكيم للإمام: ارفع صوتك بقراءة الفاتحة في بعض الصلوات واسكت أو اقرأ سراً بعدها، ما الفرق حينئذٍ بين رفعه لصوته وبين إسراره بصوته، والمقتدي على كل حال يجب أن يقرأ الفاتحة حين قراءة الإمام للفاتحة.
وإن قيل: إنما يقرأ الفاتحة بعد أن يفرغ الإمام من قراءتها ويبدأ بقراءة آيات أو سورة، حينئذٍ يقابل القائلون بهذه الآيات جهراً، بالنسبة لهؤلاء المقتدين به لكن هم مشغولون عنه، لا يستطيعون أن يجمعوا بين أن يقرؤوا الفاتحة لأنفسهم وبين أن يتدبروا القرآن الذي يتلى عليهم من قبل إمامهم، لما وجدوا هذه المشاكل لم يجدوا جواباً تطمئن النفس المؤمنة عليه فأوجدوا لهم ذلك المخرج .. اسكت أيها الإمام