إذا عرفنا هذا ورجعنا إلى حديث السكتتين: فرواية الحسن البصري عن سمرة بالعنعنة، ولا ندري إذا كان سمع الحديث عنه مباشرة أو تلقاه عنه بواسطة هي هذه الواسطة عندنا مجهولة فيبقى الحديث في زمرة الأحاديث الضعيفة، وهذا كله قائم على أساس ترجيح رواية أن السكتة الثانية كانت بعد فراغه عليه السلام من الفاتحة، وأكثر الروايات التي جاءت عن الراوي عن الحسن البصري، وهو يونس بن عبيد أكثر الروايات جاءت عن يونس عن الحسن عن سمرة بسكتة بعد الفراغ من القراءة كلها، حينئذ يسقط الاحتجاج بهذا الحديث حتى ولو ثبت أن الحسن البصري سمعه من سمرة بن جندب، وهذا مما لا وجود له.
أخيرًا: أذكر هنا ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد، قال وهو يبحث في هذه المسألة وبين عدم ثبوتها في السنة، يقول: لو كان هناك للنبي - صلى الله عليه وسلم - سكتة بعد فراغه من قراءته الفاتحة جهرًا لتوفرت الدواعي لنقل هذه السكتة لطولها، كما توفرت الدواعي لنقل السكتة الأولى، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:«قالوا: يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» إلى آخر الدعاء المعروف في أدعية الاستفتاح.
يقول ابن القيم: هذا السكوت في هذا المكان قبل قراءة الفاتحة يشبه تمامًا ذاك السكوت المدعى بعد قراءة الفاتحة، فكما أنهم سألوا الرسول عليه السلام عن سكتته الأولى: ماذا تقول في هذه السكتة الطويلة: الله أكبر .. هذا شيء يلفت النظر، ولذلك سألوه، تبين لهم أنه يقرأ دعاء الاستفتاح، إذًا: لو كان هناك سكتة ثانية في طولها تشبه هذه السكتة الأولى بعد الفراغ من الفاتحة أيضًا لسألوه: لماذا .. أو ماذا تقول يا رسول الله؟ سيقول كما هو شأن كثير من القراء اليوم: لا أقول شيئًا، لكني أسكت لقراءة من خلفي الفاتحة، أو كما يفعل أيضًا بعض القراء: أنا لا أسكت، لكن أقرأ من السورة التي أريد أن أقرأها بعد الفاتحة أقرأ أولها سرًا بمقدار الفاتحة التي يقرؤها من خلفي ثم أبدأ بالجهر، كل هذا لم يقع، فعدم الوقوع لهذا الشيء دليل